Thursday, 5 February 2015

مقال بعنوان : مواطن مع وقف التنفيذ

مقال بعنوان : مواطن مع وقف التنفيذ

إن أزمة الانتماء للوطن بالدول العربية سببها أن الغالبية الساحقة من أبنائها صامتة ولا تملك القدرة على تغيير واقعها  ، فهي فقدت الثقة بانتمائها للمجتمع وأهلية الوطن بأن يلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين . لكنها لم تشكل أزمة هوية كما حال الأقليات في المجتمعات الديموقراطية ،  ولم تخلق أزمة دستور وتعريف حقوق وواجبات المواطن في دولة تعتبر وطنه ،  فعاد الإنسان العربي لمفهوم أهل البلد وأرض البلد ووجهاء البلد ؛ بعودة قسرية لما قبل عهد الحداثة وبناء الدولة العربية الحديثة ، ولعل أسباب ذلك تعود لفشل كل شيء حول الإنسان العربي وسقوطه قسرا خارج الوطن والعودة إلي بلده خائب الرجاء بإمكانية تحقيق مفهوم المواطنة في بلاد العرب ؛ مما جعل الإنسان العربي مريض بلا تعريف لمرضه أو توصيف لعلاجه أو حتى وضعه بحجر صحي ومراقبة تطورات وضعه عن كثب

في بداية تحديد هذه الأزمة لابد من فهم بساطة المطلوب وصعوبة الحصول عليه ؛ رغم أن كل دستور يقر أن كرامة المواطن هي كرامة الوطن ؛ وأن الحكومة ستعمل لخدمة مواطنيها وأن الرئيس /الملك /الشيخ  سيسهر على راحة المواطنين ؛ وأن المواطن آمن على نفسه وأهله ومسكنه ،  وأن الوطن سيوفر التعليم والصحة وسيوفر فرص العمل ؛  وأن القيادة ستخلق وطن لمواطنيها ؛ بدون مثالية أو أي أحلام كبيرة بل بقبول أمراض المجتمعات المتخلفة في بلدان العالم الثالث : من محسوبية وفساد مالي وإداري لكن دون التشكيك بوطنية أبناء البلد  ، فيصبح الانتماء للوطن أمر مقدس عند جميع أبنائه بالتوازي مع شرعية حق المواطنة لكل أبنائه.

في ظل هذا الظرف العربي الأليم يصعب صناعة وطن لكل أبنائه ؛ ويُختصر الوطن لطبقات الولاء السياسي ومجتمع المنفعة المؤقتة ؛ دون أفق ديموقراطي أو ثبات مجتمعي بل هو ربط مصير الوطن بطبقة حاكمة تتعامل مع أقلية مواطنة تبايعها وتنتفع من وجودها بينما السواد الأعظم من السكان يفقد حق المواطنة ويتحول إلي أشباح ليس لها وزن بالمعادلة السياسية بل أن البعض منهم يتم تعامل معهم كأعداء للوطن والبعض الآخر يصبح مواطن مع وقف التنفيذ ؛ يُصنع من أجله السجون السياسية وأجهزة الأمن الداخلي ويصبح محظور عليه كل حقوقه الإنسانية ؛ لمجرد أنه لا يعطي ولاء مليون بالمئة لطبقة الحاكمة ؛ بل أنه يرفض التبعية المطلقة لكل ما يصدر عنها ؛ في استبداد يطال لقمة العيش وأحيانا كرامته كمخلوق له حق أن يتنفس ولو ببطأ.

في هذا الجنون العربي تتغير آليات التفكير لدى الإنسان العربي ؛ ويصبح بوزن الريشة يركض خلف سراب التغيير ؛ ويصبح صيدا سهلا لفكر الانقلابيين ؛ حتى لو كان غير مقتنع أن مساعهم قويم وأن نجاحهم في قلب الحكم ممكن ، الا أن الغالبية العظمى من سكان تُصر على حيادها وتربط جيادها على الباب الخلفي للوطن معلنة أنها رحلت وللأبد خارج حدود الوطن واستقرت على أرض الأجداد وسلالة القبيلة الأصيلة ؛ فهي مع كل من يحكم دون أن تعطيهم الولاء وهي لا تقف ضد المعارضة ولا تساندهم ؛ في حل عربي لمفهوم اللا منتمي في فضاء الوطن مع تنازل فطري عن كل الحقوق والقبول بأداء كل الواجبات مع رفض قانون العبد والسيد

وهذا ما يفسر أن رئيس ما يحصل على دعم كل المواطنين مع أن المعارضة تحصل على دعم كل المواطنين ؛ والسبب أن لكل منهما مواطنين مختلفين عن بعض وأن مجموعهما معا لا يُشكل عشرة بالمائة من أهل ذاك البلد ؛ لأن أهل البلد اعتصموا بحبل البلد لنا والوطن لهم . إن مجرد فهم أن الغالبية العظمى من العرب ليسوا مواطنين في بلادهم ؛ فقدوا أوطانهم واحتموا في بلادهم خوفا من سطوة الطبقات الحاكمة والمعارضة ؛ وأصبحت كلمة وطن لغز خطير ومجرد التفكير بحل هذا اللغز يعادل الانتحار طوعا.

وفي ظل كل ماسبق يصبح السؤال عن الدور الشعبي العربي في معركة تحرير فلسطين سؤالا اعتراضيا على قانون الإنسان المقهور في بلاد العرب ؟  سوف أسرد أربعة إجابات افتراضية لهذا السؤال  :
الإجابة الاولى : فلسطين محتلة ولابد أن نحررها يوما ما ؛  لكن لابد أن نحرر أنفسنا أولا.    
الإجابة الثانية : وضع فلسطين واضح ووضعنا فاضح .
الإجابة الثالثة : الاحتلال رحمة لفلسطين .
الإجابة الرابعة : ونحن أيضا محتلين .

لعلي وضعت الإجابة الأولى متفائلة لكن الحقيقة أن السواد الأعظم يؤيد الإجابة الرابعة إيمانا وقناعة أن العرب فقدوا إحساس المواطنة وأهلية الوطن في زمن جبروت السياسة وثقافة الاستبداد المتواصل لحاجات الإنسان العربي الأساسية.  إن خلق جبهة شعبية عربية مساندة وداعمة لحق الشعب الفلسطيني بالاستقلال ؛ أصبح مفهوما صعب المنال بسبب قهر الإنسان العربي في بلاده لا لقلة إيمانه بعدالة القضية الفلسطينية ،  ولا بسبب أن القيادة الفلسطينية فاسدة أو أنها تتعامل مع المؤسسات الرسمية بالدول العربية دون التفاعل مع الفعاليات الشعبية العربية المساندة للنضال الفلسطيني ، بل بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الإنسان العربي مما أفقده القدرة على العطاء في قضية يؤمن بها بل يعتبر نضاله فيها فرض عين لولا أزماته الداخلية المتتالية .

وفي ظل انتهاج الثورة الفلسطينية منهج الثورة الوطنية المطالبة في مقارعة الاحتلال مع الابتعاد عن التناقضات العربية من خلال مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية الا بما يخص بالقضية الفلسطينية وعلى رأسها قضية اللاجئين الفلسطينيين في بلاد العرب إن غياب الجبهة الشعبية العربية المساندة للثورة الفلسطينية خلق فراغ جوهري في قدرة الأمة العربية في تجسيد تضامنها مع فلسطين والوقوف معها في زمن هي بأشد الحاجة والعوز لالتفاف شعبي عربي موحد حول حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال ، في زمن مواطن مع وقف التنفيذ في بلاد العرب يصبح وزن الرأي العام العربي بوزن الريشة ووزن القرار العربي أقل بكثير من وزن الريشة .

خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا  

No comments:

Post a Comment