Tuesday, 16 December 2014

ماذا يعني المستقل السياسي في فلسطين؟

مقال بعنوان : ماذا يعني المستقل السياسي في فلسطين؟

ماذا يعني المستقل ؟  أو اللامنتمي لحزب سياسي لكنه ناشط سياسي ؟  وهل يكون جزء من الثورة ؟  هل هو تمرد على أسلوب الثورة؟  هل هو متطرف فكريا ؟  هل يرفض قيادة الثورة ولكنه يؤمن بفكرة الثورة ؟ هل هو شعبوي فوضوي ضد فكرة الهرمية في الثورة ؟  وكيف تتعامل معه قيادة الثورة ؟  وما مدى تأثيره على جماهير الثورة ؟  وهل أسلوبه يخدم أو يضر الثورة ؟

لقد تأخرت انطلاقة حركة فتح سبع سنوات سعيا منها لضم كل الفئات الشعبية الثورية في بوتقة حركة تحرر وطني تضم كل أطياف الشعب الفلسطيني ، فتعمقت بدراسة تجارب الشعوب وحركات التحرر في العالم وتوغلت بفهم الفرق بين التراكيب الثورية الوطنية والقومية والإسلامية ؛ الا أن تسارع الأحداث السياسية وتضارب المناهج السياسية ، جعلها تضع مفهوما فريدا من نوعه وهو الوحدة الوطنية بديل للحزبية معلنة على قبول شركاء في ثورة وأن فتح لا تشكل كل ثوار حركة التحرر الفلسطيني في صياغة تشكيل القرار الفلسطيني المستقل مع مراعاة أن فتح : فلسطينية الوجه عربية الانتماء وعالمية العمق في جمع لكل عوامل النهوض وطرح فوارق التفرقة ، الا أن هذا النهج جعل قبولها صعب من عدة أطراف لأن كل طرف يرفض شركاء له ويدعي أنه هو الثورة وهو من يمثل النضال الفلسطيني دون غيره ؛ في مسعى لخلق لون واحد للنضال الفلسطيني  ، دون أن تحسم لصالح أحد الأطراف ودون أن تندمج مجموعة أطراف ضد طرف بعينه ، مما استدعى قبول جميع الأطراف بالنهج الفتحاوي بتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية ، وهو منهاج موج البحر فهو أحيانا هائج وأخرى هادئ وأخيرة مضر جدا الا أنه ضرورة الاستمرار وحاجة وحدة الهدف .
الغريب في الحالة النضالية الفلسطينية ، وجود كم هائل من المناضلين الثوريين الذين رفضوا الانخراط بالجبهات والحركات السياسية وأحيانا والنقابات الفلسطينية ، فيما يسمى بالمستقلين سياسيا لكنهم منتمين لجسد ثورة .
ولدراسة هذا النهج الفكري لابد من فهم الظرف الفلسطيني على ضوء ما سبق ذكره.

منذ بدأ تشكل الأحزاب السياسية في العصر الحديث في أوروبا ، ظهر في عالم السياسة مصطلح المستقل سياسيا ، وهو يختلف عن مفهوم نخبة الصفوة المحظية تاريخيا في المؤسسات الحاكمة مثل الأعيان واللوردات وكبار الاقتصاديين والعسكريين وأبناء العائلات الأوروستقراطية وذوي النفوذ الاجتماعي في العائلات كثيرة العدد ، حيث أن هؤلاء مجتمعين شكلوا البطانة الحاكمة على مر التاريخ في كل الحضارات والتجمعات الإنسانية ، وكل الأنظمة الحاكمة تعتبرهم النخبة الاجتماعية الشرعية للمجتمع وأساس رأس المال الاجتماعي في مفهوم الدولة المدنية الحديثة ، مهما حدث من تغييرات سياسية داخلية أو دولية،  إن كانت ديموقراطية عبر تداول السلطة بين الأحزاب ، أو عنفية عبر الانقلابات والثورات أو استبدادية عبر الاحتلال الأجنبي والحكم الديكتاتوري .  وهذا ما جعل مفهوم العضو الناظم في الثورة عبارة عن شهادة شرفية يستحقها كل من يخدم مشروع الثورة من نخبة الصفوة المجتمعية بغض النظر عن ولاؤه السياسي .  

أما فئة المستقليين في السياسة الفلسطينية فهي متواجدة منذ بدايات تشكل الكيان السياسي الوطني الفلسطيني في بداية العشرينيات من القرن الماضي ، ومسجلة تاريخيا ضمن دراسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الفلسطيني الأول ، وشكلت ظاهرة حقيقية بعد سن قانون الأحزاب في أوائل الثلاثينات ، واستمر وجودهم ونشاطهم مع تغير الأوضاع السياسية وتبدل من يحكم فلسطين ، وعمل البعض منهم ضمن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية دون الولاء لقيادتها أو الالتزام بنهجها السياسي.  
ومهما تعددت أسباب هذا النهج في الثورة الفلسطينية ، الا أنه لم يكن ذو لون واحد ، فمنهم المقربين للتنظيمات الفلسطينية على مختلف اتجاهاتها الفكرية ، ومنهم المقربين للأحزاب والحكومات العربية ، ومنهم من هم ذو الاتجاهات الفكرية المتطرفة بشقيها المتطرفة الانعزالية  الفردية : مثل إدوارد سعيد وأخرى متعددة الولاءات : مثل التنظيمات الاشتراكية الدولية وكارلوس خير مثال على ذلك .  لكل فئة من فئات المستقلين حيثيات متحركة في فكرهم وثوابت نهجية تقف حاجزا دون انضمامهم للهياكل التنظيمية للفصائل الفلسطينية ، في توليفة : معا نحرك النضال ولكن كل منا يحافظ على أسلوب تفكيره الخاص ، والمحصلة التفاعلية أن المستقل ملتزم بأهداف الثورة وبمرور الوقت يتأقلم مع قرار قيادة الثورة ، أو أنه يقلم فكره مرحليا ليتماشى مع القرارت التي يتحفظ عليها لأنه أضعف من الإنزواء ، فجماهيريته شعبية ثورية لا نستطيع العيش خارج الحاضن السياسي لجسد الثورة ،  الا أن المستقلين يعملوا بطريقة انتهازية مع الفصائل وتوصف علاقتهم الفصائلية بأنها متلونة لاعتمادها على التصريح السياسي دون تبني الحقيقة السياسية كاملة ، مما يجعل مؤشر اقترابهم من خط السياسي عامل متغير بشكل سريع وأحيانا يومي ، وهو دائما مربوط بالمنفعة الشخصية دون النظر بعمق للصالح العام

أن التداخل بين البرامج السياسية بين الفصائل ووجود برنامج عمل مشترك ، كان عامل حاسم في تحجيم دور المستقليين ، أما في زمن الخلافات بين الفصائل ،  فإن المستقليين يشكلون حصان الطراودة في شد الرأي العام الفلسطيني نحو الخط السياسي لكل فصيل على حدة .
ومن الجدير بالقول أن المستقليين الثوريين ازدهروا في زمن الكفاح المسلح ، بينما ظهر المستقليين الإعلاميين في زمن الانتفاضة ، أما زمن العملية السلمية فقد أفرز مستقلين مهنيين لا يهتموا بالرأي العام الفلسطيني ولا بالقرار السياسي الفلسطيني ولا حتى ببقائهم هم تحت دائرة الضوء .
وهذا هو لب أزمة المستقليين حاليا ، من بداية مفهوم العمل الأهلي الخدماتي في منظمات المجتمع المدني ، بغض النظر عن الظرف السياسي ، مرورا بمفاهيم النضال السلمي  كبديل للعملية السلمية وانتهاءا بمفهوم حكومة التكنوقراط.
  والأسباب الحقيقية وراء استقواء المستقليين على المجتمع الفلسطيني هي : الخلافات الفصائلية وضعف ديمقراطية القرار داخل الفصائل والسبب الأهم  هو تحريك الثابت في السياسة الفلسطينية وتحجير المتغير بالأساليب النضالية ، يضاف لها نهج الدول المانحة بتشكليها المنظمات الغير حكومية التي استحوذت على مجمل المبادرات الشبابية والأفكار السياسية مشكلة عقبة حقيقية في وجه تطور الفكر السياسي الفلسطيني الحر وتأطيره لخدمة برامج دولية ، دون مراعاة حاجة المجتمع الفلسطيني المستقليين.

وفي فترة حكم الأخ أبومازن كرئيس لدولة فلسطين ، تم تسليم كل زمام السلطة الوطنية للمستقلين ، ابتداء برئيس الوزراء ومرورا بالوزراء وانتهاءا برؤساء المحافظات وذوي النفوذ في المؤسسات الحكومية وخاصة المنبثقة عن مكتب الرئاسة  ، تحت ما يسمى كفاءات التكنوقراط تارة ،  وتارة أخرى لتخفيف من حدة الانقسام السياسي بين شطري الوطن وقطبي السياسة في عموم الوطن

إن خلاصة دراسة تجربة المستقلين سياسيا تؤكد على ما يلي : -

أولا :- الشعب الفلسطيني ملتزم بما تطرحه الفصائل باختلاف ألوانها الفكرية ، وحتى منهم غير منتمين لتنظيم معين ،  فهم محسوبين على تنظيم معين.  
ثانيا :- أن أعضاء فتح وحماس هم من الطبقة المثقفة في المجتمع الفلسطيني وبينهم فئات مؤهلة لتحمل مسؤولية إدارة مؤسسات الدولة والسلطة بطريقة أفضل من المستقلين التكنوقراط ؛ لسببين الأول وقوف تنظيماتهم خلفهم كسند وعون والثاني أن لهم قاعدة جماهيرية مؤثرة قادرة على تقديم الدعم لقراراتهم .

ثالثا :- إن مفهوم السلطة الثورية والممارسة النضالية في مؤسسات الدولة بحاجة لأبناء التنظيمات السياسية القادرين على كسر روتين القوانين وتعامل مع روح القانون بأسلوب ثوري يساند معاناة الجماهير ويقاوم ممارسات الاحتلال ،  والوقوف بوجه بيروقراطية التكنوقراط الذين حولوا السلطة إلي وظيفة للكسب المالي والوجاهة الاجتماعية متحاهلين المفهوم الثوري أن المنصب الإداري هو تكليف ثوري لا تشريف شخصي

رابعا : ـ إن الفساد الإداري والمالي مرض من أمراض العالم الثالث ، وليس محصورا بالتنظيمات السياسية ، وأثبتت التجربة العملية أن المستقلين أكثر فسادا من أبناء التنظمات السياسية.

خامسا :- يبقى مفهوم الوحدة الوطنية وما انبثق منها من تسميات مثل المصالحة الوطنية أو الوفاق  الوطني مجرد من الفعل الجماهيري دون تشكيل حكومة شراكة سياسية غالبية قياداتها من الصف الأول في حركتي فتح وحماس .

سادسا :- إن قوة الديمقراطية بالتجانس بين طموحات الجماهير ورؤية التنظيمات السياسية ترفض سياسة التعيينات الرامية لتحجيم دور التنظيمات السياسية التي تمثل غالبية الجماهير الشعبية فكرا وممارسة.

سابعا :- إن عملية تدوال السلطة بين التنظيمات السياسية تعني التعامل بشفافية مع الأعضاء المنتخبين مع ضرورة تشكيل حكومة ظل من قبل التنظيمات التي لا يحالفها الحظ بالمشاركة بالحكومة.

ثامنا :- إن وجود قوة إدارية تفرضها المنظمات الغير حكومية  على المجتمع الفلسطيني تشكل ظاهرة الحكومة الموازية مما يقلص من هيبة السلطة المنتخبة أو الممثلة للتنظيمات السياسية ذات شعبية جماهيرية ، ولابد من تحجيم دور هذه المنظمات للحافظ على السلطة وإعطاء التنظيمات السياسية دورها الحقيقي لتعزيز مفهوم الدولة المدنية.

تاسعا :- إن القدرة التشريعية مرتبطة بقدرة السلطة على تنفيذ تشريعاتها ، ووجود التنظيمات خارج آلية صنع التشريعات يشكل نوع خطر من الاستبداد السياسي.

وختاما ، فإن نحاح أي رئيس وزراء مستقل بالسلطة أو أي وزير أو محافظ يشكل انتهاك للمفهوم الديمقراطي ، وتحجيم قوة التنظيمات السياسية ، مما يدفع التنظيمات للعمل بشكل معاكس لقرارات السلطة دفاعا عن نفسها ،  فلا يوجد تنظيم سياسي يقبل وصاية من أحد ولا يمكن أن يقبل ما تفرضه عليه السلطة.  إن اللعبة السياسية الجامعة بين ثورية السلطة ومؤسساتية التنظيمات السياسية وضع طبيعي في المراحل الأخيرة من الاحتلال ، ولا يمكن أن نصل لرؤية واضحة لطريق الاستقلال في سلطة يحكمها المستقلين  بينما التنظيمات السياسية تسيطر على الفعل الثوري الميداني المقاوم للاحتلال.
خالد  أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment