Saturday, 2 May 2015

ملحمة ثوريتوس

قال بعنوان : ملحمة ثوريتوس
جنتي وعدي لكل من أطاع وعبَد ولي قدّم قرابين الدم والذهب، تحت عرشي نبتت جنتي بعجينة الرغبة الخالدة وماء اللذة، فهي حلم كل غريزة خلقتها فيكم ونشوة المتعة الأبدية، هيا اصعدوا لها طوعاً وشوقاً وتذوقوا معين الخلود، أعلم أنكم بلا أجنحة فلا تقدرون على التحليق لها لكنني سأنبت جناحين لكل عبدٍ مطيع فاعملوا واجتهدوا. سمعت صوته العليّ كل آلهة السماء وأبالسة الأرض فتجمهروا يتباحثون يفكرون يحلمون، وفي السر يتآمرون يتهامسون يكفرون، كيف سينبت لنا أجنحة؟ وهل جنة رب الآلهة والأبالسة هي واحدة؟ كيف نتمايز ولمَ نتساوى؟ هل توَحد العدل ليقضي بحقٍ أوحد؟
وقف مارد بين العفاريت وقال: سأحرق كل الأبالسة إلا نسلي أنا، فيُجْبَرُ الرب لأمري ويُعطيني الجنة لي وحدي أنا ونسلي صعد مارد آخر فوق بركانٍ هائج وصرخ:ليحترقْ كل ذي جناح وكل من ينبت له جناح سَيُقْذَف به داخل البركان. هبطت الآلهة على الأرض بأمر الرب، قال أفيلو كبير الآلهة الرب: أُعْلِن قيام الدنيا فيها حياة الجَهَدَ فيها تخلقون عوالمكم السفلى تحكمون فيها كما أمر الرب، ومما تخلقون يكون الدم قرباناً والعبادة بياناً، هذه الأراضين ستتمدد وأنا أفيلو أتساوى معكم لكل منا أرض هو منها يخلق عالماً ومن عدله سينبت له جناحان أو أكثر. قال لي الرب: الجنة فسيحة واسعة تسعنا كلنا نحن ومن نخلق فلا تتحاسدوا بل تعاونوا لنصعد كلنا إليها. هجم ميخاروس – مارد البركان-  حاملا براكين ونيازك فصعق أفيلو وسكب حمم غضبه، فتفتت أفيلو وأصبح ألف إله صغير، أصغرهم كان ثوريتوس. هربت كل آلهة السماء الوسطى وسحبت معها كل أبناء أفيلو إلا ثوريتوس. أعلنت كل الآلهة أنها لا تريد الجنة وهي سعيدة بسمائها الوسطى لكنها تريد ثوريتوس، أما ميخاروس فقال إنه سيحرق الرب إذا مد يده وسحب ثوريتوس، إلا أنه سيمنحه حق محاولة صنع عالم يخلقه تحت ظله الصغير حتى يعلم الرب أن كل الأبالسة تعبد الرب القوي الذي سيُدخل جنته الأقوياء فقط.

دموع ثوريتوس تتساقط على أرضٍ ملتهبة فتعود الدموع لعينيه، يرفع يده ليمسحها فيتساقط العرق وتصعد أمواج طوفان وهذيان النور والظلمة تمسح بصيرته فيصرخ أنا من أنا؟ أنا ابن أفيلو ملك ملوك السماء، مات رسولاً لرب الجنة، أين أخوتي وربعي؟ كيف تكفرون بالرب؟ وماذا عن دم أبي؟ وماذا عن غربتي؟ آه آلمي آه وجعي! ربي علمني كيف لا أكفر؟ كيف أعبدك من أجل الجنة وأنا أريد عدل الدنيا ثأري ودم أبي الذي مات رسولاً لك أم أنك تخاف الأبالسة أنا لا أخافهم أنا ثوريتوس بن أفيلو! همس الرب في أذن ثوريتوس: في يدك بذرة عالمك، ألق بها واحكم بالعدل واعبدني أنت وخلقك ولك الجنة دونهم.

ثوريتوس تكَوَم حول يده وظلّل ظلّه وألقى بذرة عالمه وقال لها: كوني شجرة باليستو واحملي لخم وجذام شعبي وكل من آمن بي هو من شعبي، اغرسي جذورك بالنار لتصعد فروعك فوق السحاب، ومن دموعي أسقيك ومن نوري تأكلين، وأنتم يا شعبي هذه شريعتي وبها اعملوا واعملوا كثيرا وسريعا حتى نصعد لجنة الرب، لكم مني قُوُتكم وأمنكم فلا تطمعوا بشهوات الأبالسة ولا تقتلوا بعضكم طمعا بجائزة من ميخاروس وعفاريته!

أهل باليستو نحتوا شرع الرب على كل غصن وزيّنوا عالمهم بطاعة الرب، نمت شجرتهم وتجمّلت وصارت جنة العطايا منها يتساقط الذهب والرمان، وحولها تجمهر كل شيطان يسرق بقايا الجنان ويحلم بسلطان فوق شجرة الزمان، حتى ميخاروس فتنه المارد الفتان فغضب وخلق طائر الزو الشيطاني، قال له: ابنِ عشنا على غصون باليستو قبل أن يتساقط جناحاك. وعند المغيب صار الزو مستعمرا لعشرين غصنا، اسودت أوراق باليستو وكذلك وجوه شعبها، قال رينتو: ربي علّمني أن أقاتل، علّمني أن أطرد الزو اللعين. صاح رينتو: من مات دون باليستو فهو شهيد فهو غصن جديد هيا نقطع رأس الزو والرب سيعلمنا كيف نقاتل أو يعلمها الشهداء لنا. هجم رينتو ومن معه وكانوا ألف ألف قافلة حرقهم طائر الزو بقذفة لهب واحدة سقطوا عن الشجرة، لكن ثوريتوس أكلهم قبل أن يسقطوا في بئر النار وقال: أنتم في جوفي أحميكم وأنتم في جوفي أقدس الشهداء.

جاء قادس بن لخم وفي يده قلم ولحم قادس حكيم باليستو وسيد عقلها هو مخطوط شريعتها، قال: يا أهلي لا تهابوا الزو سيرحل دون أن يموت ودون أن يقتلنا، اجمعوا لي كل أكلكم وكل غال ونفيس عندكم، هاتوا خير الغد وما حوّشتم لبعد الغد. أخذ قادس خير باليستو كله إلا طاعة الرب أبقاها لشعبه، وقف على غصن عَلِيّ وصاح: يا طائر الزو أُهْديك كل عطايا باليستو ولك كل عام منا قربان لكن اترك شجرتنا لنا، خذ عطايانا واسكن فوق قمة بركان ميخاروس وستكون فتنة لكل الأبالسة، عطايانا طعام الآلهة ونزوات العفاريت، وأنت تعرف أننا لا نقدر عليك فلك أن تعود إن غضب ميخاروس منك. ثم بدأ قادس يُغري طائر الزو بالعطايا، سالت نزوة الزو وأحرقت ثلاثة غصون، وقال وافقت يا قادس سآخذها كلها لي وأريد عروس منكم، أريد ديدنون ابنتك يا قادس، قال قادس: هي لك بعد أن تنقل كل العطايا لفوهة بركان ميخاروس ثم أُزَيّْن ديدنون لك عروسا قمرية، فرح طائر الزو وقال: سأبني لها عشا ناريا وسقفه دخان البركان، حمل كل العطايا وفرد جناحيه فصار دخان قدميه يحرق شعب باليستو، حمل كل أكلهم كل نفيسهم وطار بها إلى أعلى حيث بركان ميخاروس، لكن جناحيه سقطا أرضا، ومات بنارهما.
غضب ميخاروس وأرسل لهيب ناره على ثوريتوس لكن الرب أسقط ماء الرحمة وثلج الإيمان فثبت ثوريتوس في وجه العاصفة، لكن ميخاروس صار يخلق عفاريت ويرسلها للشجرة المقدسة باليستو، وأهلها يتفننون بالدفاع عنها، وسلاحهم عشقهم لوطنهم- باليستو- وإيمانهم أن شريعة ثوريتوس هي من الرب وهي السبيل للصعود إلى الجنة. وآخر ما أرسل ميخاروس لباليستو كان دود جهنم الذي يأكل دون أن يموت أو يكبر، دود يطير فوق الغصون وينخر الورق ويقطع الرزق، قام عليه شعب باليستو برش البخور تارة ورمي النذورتارة أخرى، لكن الدود صار يتكاثر بل صار يحتل غصون الشجرة العالية، بكى شعب باليستو ودعى الرب ليهديم لسبيل الخلاص، فما كان إلا أن ذكرّهم بشريعة ثوريتوس فهي سلم الصعود لجنة الرب.

وقف فتحيدس وغرس بغصنٍ راية كتب عليها: ثوريتوس حق العدل وله نطيع: تجمهر حوله الشعب وبدأوا يبنون مملكتهم فوق الغصون العالية، يأكلون مما تنبت الشجرة ويتعبدون مع ثوريتوس ليتقبل الرب، لكن دود جهنم بدأ ينشر الفتن بين الشعب فتشّعب الشعب شعوبا وصار العشب يغطي راية فتحيدس، صاح فتحيدس: يا رب أعنّي على شعبي وأعطني قبس قوة. تفرق شعبي عني ومنهم من يهمس أن تحت الشجرة بركانا وأنها ستُحرق إذا لم نطع ميخاروس وآخرون يقولون إن الجنة للأقوياء لنهبط عن الشجرة ونعمل مع ميخاروس فهو قوي مكين.

أنبت الرب لفتحيدس جناحي نحلة فصار يطير دون تحليق يجول بين الفروع والغصون وكذلك رفاقه المخلصون يغرسون إبرة الموت في دود جهنم فيموت الدود وهم يستشهدون فيتحولوا لأغصان جديدة لا يقدر عليها الدود، فقال ثوريتوس: يا شعب فتحيدس كُتب عليكم الموت أو الشهادة فمن يمت دون رضا الرب سقط عن الشجرة إلي بئر تسعر لهيبه من دم الأبالسة، ومن رضي الرب عنه تحول لغصن جديد على شجرتي وهي ما سأحمل معي لجنة الرب. همس حماسيش: أنا أعشق الجذور فهي رائحة البذور فرد عليه فتحيدس: إنها طريق الفجور وسلم القبور، الرب أمربالصعود إلى أعلى الغصون فأصعد معي يا أخي فالجنة لنا كلنا، هنا قاع العتمة والله نور. تعال إلي الرضا والطاعة فليس لنا قوة على ميخاروس. قال حماسيش أريد الرب أن يهبني قبس قوة مثلك، لا لا أريد جناحين أريد جسد ثعبان فيه ألتف حول الفروع وبها الدغ كل من يقترب على شجرة بل سأهبط وأقتل ميخاروس انتقاما لأبي. دعا فتحيدس الرب أن يمّن عليه ويهب حماسيش جسد ثعبان على أن لا يهبط من الشجرة، فقال له الرب: من أجلك سوف أمنحه ما سألت لكن إن هبط عن الشجرة هلك وهلكت أنت وثوريتوس وكل عالمكم.

دود جهنم صار أكثر وعلى الغصون أكبر وفي ماء العروق أسكر لكن إبر شعب فتحيدس تقتل وتستشهد وأهل حماسيش تلدغ وتعصر وتصبر وتدعوا الرب لينصر عباده الطائعين. ثوريتوس يناجي الرب ليهديه الخلاص ويصرخ في آلهة السماء لتعينه على البلاء لكنها تسخر من أجنحة النحل فهي لا تقوى على السفر أعلى من غصون باليستو، حتى الأبالسة سخروا من ثوريتوس فها هي شجرته المدرارة صارت نحيلة فأبناء حماسيش يعصونها لتقذف الدود من داخل عروقها، وأهل فتحيدس صار خيرهم قليل وقتالهم كبير وموتهم كثير حتى أن بئر سعير طفح من نتن الجيف.

فتحيدس قال لأبناء أحد الغصون: سأقتل حماسيش بل سأقتل بناته وأقطع نسله، فأصل البلاء فرقتنا ولن ننتصر إلا بوحدة شعب باليستو. فرد عليه صغير من الغصن: تقتل من يقاتل معنا ونترك الدود يأكلنا ويأكلهم؟ لكن فتحيدس حلّق وصار يهبط على بنات حماسيش يأكلها ويكسر بيضها، صارت دموعه ذهبا وكبر جناحه وتحوّل لنسر قوي، صعد لأعلى الغصون، صار يصعد فوق الغيوم ويرى حوريات السحاب وهن يرقصن، طار فوق الشجرة ورأى كم هي صغيرة وفتنه جمال عالم ميخاروس، لكنه لم يقدر أن يقتل دودة واحدة فهي صغيرة جدا، لكنه صار قوي جبار هابه كل شعب باليستو وأمرهم أن يعملوا وله يقدموا الطعام. حماسيش بكى الرب شاكيا أين العدل يا ذا العدل؟ أريد الانتقام من فتحيدس، فهمس ثوريتوس لحماسيش أن يقطع جناحي فتحيدس ويلقيه في بئر سعير ليموت من الجوع، فتحول حماسيش لأفاعى صغيرة وسكن في بطن عجل سمين، هجم فتحيدس يريد العجل عشاء، فنهره طفل وقال: هو لك موت فلا تقربه، لكن فتحيدس أكل العجل لقمة واحدة، وفي جوف فتحيدس تحوّل حماسيش لأفعى كبيرة وبدأ يأكل جناحي فتحيدس ثم خرج من عينه اليسرى، خرج حماسيش أعمى لكنه صار يأكل الدود بشراهة وصار يعشق الغصون، أما فتحيدس فسقط في بئر سعير وصارت النار تحرق ريشه وتشوي لحمه فمرض وبدأ يموت.

دعا فتحيدس الرب لينقذه من البلاء لكنه صار رماد، ثوريتوس نفخ بالرماد فخرج فتحيدس فينيق باليستو الخالد صعد وصعق السحاب لتمطر غَيْثاً لشعب باليستو وسُماً لدود جهنم، طار نحو شجرة وأعطى حماسيش عين وأبقى لنفسه ثلاث عيون، ونثر الذهب والرمان على الأبالسة والجان فعادوا يطوفون حول باليستو، صعد ثوريتوس على ظهر فتحيدس وحلّق فوق ملك ميخاروس، فسجدت له كل جميلة وصار ميخاروس يقطع من البراكين سهاما ويرمي بها لأعلى لكنها لتصل لفتحيدس فهو يحلّق أعلى من سهام ميخاروس، ربط ثوريتوس شجرة باليستو في قدم فتحيدس وقال اسحبها لأعلى، حاول فتحيدس لكنه لم يقوَ على رفعها، أخرج ثوريتوس من جوفه شهداء باليسو المقدسين وأخرج رينتو وأخرج قادس فصعدوا على ظهر فتحيدس يسحبون باليستو ويسبحون للرب، فأنبت لهم الرب أجنحة صقور فطاروا حول أقدام فتحيدس وسحبوا شجرة باليستو، فطارت الشجرة بالهواء وبقي ظل ثوريتوس عليها حلّقت في أعلى الأعالي فوق فوهة بركان ميخاروس سقطت دمعة ثوريتوس فتحوّل البركان لثلج أزرق لا يذوب، وقال: هذا انتقاما لأفيلو أبي، وبدأ الثلج الأزرق يكسو أرض ميخاروس وشعبه يموتون تجمدا.

صعد فتحيدس وظل ثوريتوس حوله وشجرة باليستو معهم وكل صقورهم تحمل باليستو لأعلى، ولما وصلت للسماء الوسطى تجمهر حولها كل الآلهة. قالوا: يا ثوريتوس، خذنا معك نحن أهلك وربعك! فقال: لا يدخل الجنة من كفر وأمر الصقور لتقلع عيونهم وأمر حماسيش ليدغ من يسقط هاربا وأمر فتحيدس أن يأكل بناتهم ليقطع نسلهم. صعد فتحيدس وظل ثوريتوس حوله وشجرة باليستو معهم وكل صقورهم تحمل باليستو لأعلى حيث جنة الرب، فسجدوا جميعا، وقال الرب: لك يا ثوريتوس ولشعبك جنة الخلود فأنا الرب المعبود وأنتم أمة الصعود لكم فيها زرع عنقود وبيوت سعود وحوريات عنود وخدم لكم جنود.

خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا



No comments:

Post a Comment