مقال بعنوان: أنواع الانسان الجمهور
إن أسمى صور الحرية تتجلى في استقلال الانسان
عن المجتمع ومؤسساته نحو بناء الأنا الراضية في حلم تحقيق الذات والدفاع عن
الكينونة الفردية الرافضة للتوجيهات الأبوية لكل سلطة عليا في تصريح علني لميلاد
الانسان الجمهور. وفي قراءة لبدايات الثورات العالمية يظهر الانسان الجمهوربصورة
العاشق للمجتمع وفي عصر العولمة يظهر الانسان الجمهور كسرطان يريد أن يسيطر على
العالم، وبين هذين الخطين يوجد أنواع عديدة من الانسان الجمهور.
يعرّفه علم النفس أنه إنسان مريض اجتماعيا
يفضّل الانغلاق على نفسه وأحلامه أكبر من امكانياته، يكون عنيفا بالدفاع عن وجهة
نظره ويرفض الاعتذارعن أفعاله الشائنة، لكنه يرهق نفسه بمحاولة تغيير الواقع مما
يجهد فكره ونفسه ، يمكن أن يحقق انجازات يشعر بها الآخرون أما هو فلا يرضيه أي شيء
فلا يشعر بلذة انتصاراته، لكنه معلم جيد للأجيال الصغيرة وهو أساس التطور
الاقتصادي بالمجتمعات الرأسمالية وهو الرصاصة الأولى في الثورات العالمية.
إن أسوأ أنواع الانسان الجمهورهو شعور البعض
أنهم يملكون عصا سحريا قادرة على تغيير الواقع المعاش مما يجعلنا نميزهم بسهولة
فهم متمردون على كل شيء ولا يمكن أن يعجبهم أي تصرف من أي سلطة، بل أنهم يرفضون أي
شكل من أشكال السلطة عليهم وأنهم يروا الحياة أفضل بلا سلطة أو قانون، يروجون
لفكرة أن الحياة سهلة وكلها إيجابيات ولا يوجد بها مآسي وأن الإنسان الفرد قادر
على تحقيق كل ما يريد دون مساعدة أو توجيه فالانسان قادرعلى الانتصارعلى مشاكله
بعمله المثابر دون الاستفادة من تجارب الآخرين أو حتى مشاركتهم في صنع مستقبل
للجميع، فهم نرجسيون يشعورن أن ذخيرتهم الخلقية والفكرية كاملة مما يجعلهم منغلقين
على أنفسهم ومستغنين على أي سلطة عليا، بل أنهم يسقطوا كل السلطات من قاموسهم ويعتبرون
أن رأيهم قرار لابد أن يعمل به الآخرون في قصر نظر يجعلهم أقرب للطفل المدلل من
الانسان الهمجي. هذا الوصف ليس ذما لأحد بل هو اختصار لما يمارسه البعض بإسم
الديموقراطية وحرية الرأي، والغريب أنهم يتكاثرون بشكل غير طبيعي في المجتمعات
العربية التي تغوص في مشكلات التنمية ووحل انعدام الأمن، يدخلون على مجتمعاتنا
باسم الإصلاح الديني أو الارشاد الاجتماعي مغلفين أنفسهم بهالة المنظمات الغير
حكومية أو الجامعات الغربية، وهم ينظرون لنا على أساس أننا مسخ وشعوب بدائية
يريدوننا أن نمسح كل شيء من عقولنا والسير خلفهم بكل تصرفاتهم وأقوالهم.
وهناك نوع الآخر من الانسان الجمهور حقق
نجاحات في مجالات محددة مثل التجارة أو الطب فحقق ثروة مالية يريد بها تعزيز رأس
ماله الاجتماعي من خلال اهتمامه بقضايا الرأي العام لكن بصورة تميزه عن الآخرين،
فحب البروز عنده ظاهر وهو هدف أساسي من نشاطه، وللأسف أن هناك أحزاب سياسية تلهث
وراء فتات أموالهم بل أحيانا يفرضوهم على المجتمع كطبقة أعيان ونخب الصفوة من
الصالونات المخملية، متناسين قواعد العمل الجماهيري ودور القيادة الميدانية
واحترام الجماهير والمؤسسات النقابية، مما يخلق رجال سياسة ليس لهم جمهورالا
أنفسهم.
أما النوع الحالم من الانسان الجمهور هو الذي
يبدأ من الصفر حيث لا خبرة عملية أو جهات ممولة أو أحزاب مساندة، هذا النوع سُمِيَ
مجازاً نشطاء وهي كلمة لا تترجم وصفهم بل أنها تلغي صفة النشاط عن أبناء وبنات
الأحزاب السياسية أو حتى عن موظفي العمل المجتمعي بكافة القطاعات، وكلمة نشطاء
بالمجتمعات الغربية تعني مشاغبين ضد النظام ولكن بأسلوب مقبول قانونا وليس له أثر
على الرأي العام بالغالب.
إلا أن مفهوم الدولة القطبية ( دولة بها
حزبان سياسيان كبيرنان لكن جماهيريتهما معاً لا تتجاوز 50% من الرأي العام) يخلق
نشطاء سياسيين بألوان متعددة بعضها من صنع نفس الأحزاب السياسية وبعضها نتج عن
مشكلات داخل الأحزاب السياسية، فهناك ناشط فدائي يخسر كل رصيده الشعبي من أجل رفع
شعبية حزبه السياسي وهذا الأسلوب يستخدم قبل الانتخابات البرلمانية من أجل تلميع
الحزب السياسي وإثقال صندوقه الانتخابي بالأصوات التي كانت محايدة. وهناك ناشط
حردان فهو يرى أنه يستحق أكثر مما يمنحه قادته بالحزب السياسي فيخرج من الإطار
الحزبي سيعا وراء تحسين وضعه وبالغالب يحقق مراده في ظل مفهوم الدولة القطبية الذي
يجبر الأحزاب السياسية بضرورة توسيع الجماهيرية على حساب أي شيء آخر. وأخيرا هناك
الناشط الحديدي الذي يرفض التغيير الفكري داخل حزبه السياسي نتيجة وصول المجتمع
للمرحلة القطبية، فيكون خروجه إعلان التمسك بالثوابت الحزبية والسعي لدعم الحزب
السياسي من الخارج دون يكون عنده هدف شخصي، هذا النوع من المشاغبين يحرج مفهوم
الدولة القطبية ويرفض إعادة تشكيل الفكر الحزبي ليلائم المرحلة.
أما النوع النادر من الانسان الجمهور فهو
الذي يحقق تغيير جذري بأسلوب تفكير المجتمع ويسعى لرفعة الجمع الكلي لرأس المال
الاجتماعي من خلال إعادة بناء فيزياء المجتمع في كينونة رافعة لتطوره من خلال رفض
الظلم بكافة أشكاله وتقاسم الرفاهية والأمان، هذا النوع نادر علميا وعمليا فقلة
قليلة استطاعوا اختصار الثورة بشخصهم، مهما كان شكل هذه الثورة اقتصادية أو علمية
أو حركة تحرر فهو جمع لصفات النقاء الثوري المثالي في قالب معبود الجماهير ومرشد
السياسيين وأستاذ الأكادميين فهو يستحق المبايعة بالزعامة وهو خليفة رب الدين
وإليه تقدم قرابين الدم والذهب ومن أجله يتجمع الجمهور على قلب رجل واحد له هالة
كبيرة تضم كل الجمهور بداخلها.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
No comments:
Post a Comment