Saturday, 2 May 2015

منهج تعايش الأفكار

مقال بعنوان: منهج تعايش الأفكار


تتغنى مؤسسات كثيرة في حرية وديموقراطية إصدار قراراتها، لكن ديموقراطيتها تتصلب بعد إصدار القرار، فتسن العقوبات لمن لا ينضبط بوصاية الطبقة القيادية أو لا يلتزم بقرار المؤسسة، إلا أن منهج تعايش الأفكار يدعو لتعددية الرؤى للقرار بعد صدوره دون خرق الانضباط أو الالتزام.
لشرح منهج تعايش الأفكار لابد أن يتم حديث عن الفكرة المجردة، فهي لا تخص مؤسسة بعينها بل أنها تخص كل مؤسسة تسعى لتحقيق أهدافها. فما هو منهج تعايش الأفكار؟

تناقض التناقض في تفاضل القرار يخلق المسار الواسع لتعايش الأفكار، هو استبيان فعالية القرار وبناء القدرة على الالتزام به ليس طوعا فحسب بل إيماناً أنه صائب ويمثل رأي الطبقة القيادية، لأنها صنعت القرار استنادا على معطيات ومناقشات وتوصيات الطبقات الأدنى مرتبة، كما أنها تمتلك الرؤيا الشاملة أي أنها ترى أن هذا القرار صائب ويخدم أهداف المؤسسة وأنها قادرة على إقناع باقي طبقات المؤسسة  بأهمية الالتزام به في استخدام القانون وفقا لصلاحياتها أو القوة دفاعا عن أهداف المؤسسة.


إلا أن صناعة القرار تمر بمراحل متعددة تجعل جميع الطبقات قادرة على طرح وجهة نظرها وتبني وجهة نظر معينة، وخلال هذه المرحلة يتم ترويض حرية الرأي إسنادا لمبدأ الرؤيا الشاملة، فيتم تحديد ذوي الرؤيا العدمية وتصنيفهم على أنهم تائهون وبحاجة لمن يرشدهم للمسار القويم الذي يحقق أهداف المؤسسة، وهناك أزلام الطبقة القيادية الذين ينتظرون أن يسمعوا زعيمهم ثم يرددوا ما يقوله بل أنهم يعتبرون كلامه قرار مقرر لابد من الالتزام به، وهناك الكوادر الواعية القادرة على تحديد أبعاد القرار وصلته بأهداف المؤسسة وقدرة الطبقة القيادية على تنفيذ القرار، وأخيراً هناك الطبقة القيادية التي تملك الرؤيا الشاملة بحكم موقعها كمجمع للمعلومات والطبقة القادرة على إصدار القرار.


وبعد صدور القرار يتم تعميمه وتنفيذه من قبل الطبقة القيادية وتفرضه على هيكيلة المؤسسة وفقا لقواعد الانضباط وإسنادا لحقها باتخاذ القرار وأهليتها في الحصول على الولاء الطوعي لها ولقرارها من قبل كافة أعضاء المؤسسة، وهي مرحلة إعادة صياغة القرار وفقا لرؤيا الأعضاء، فالتائهون يبحثون على تفسيرات وإيضاحات ودورات خاصة تأهلهم لتنفيذ القرار، أما أزلام كل زعيم في الطبقة القيادية يفسرون القرار كما وصلهم من زعيمهم ، بينما تصر الكوادر الواعية على تحديد أهمية القرار في الوصول لأهداف المؤسسة ورسم مسارات متعددة لتنفيذ القرار وفقا لمصلحة المؤسسة ، كما أنها قد تطلب إعادة النظر بجزيئات من القرار أو رفض القرار بالمطلق دفاعاً عن أهداف المؤسسة.


إن الوصول لمرحلة تناقض التناقض ذات أهمية واسعة في تبني القرار من قبل المؤسسة، فهي مرحلة فرز الرؤيا وتحديد أهلية القرار وقدرة المؤسسة على تنفيذه وأدوات الطبقة القيادية المستخدمة لفرضه قانونا أو بالقوة ، فهنا حرية الرأي مجمدة لأنها اُستخدمت في المراحل الابتدائية لصياغة القرار، وكذلك  تم جمع المطعيات اللازمة فلا مجال لطلب معلومات جديدة، وأيضا تم الانتهاء من المناقشات والمداولات الرسمية والسرية، لكن هذه المرحلة  تُحدِث تناقضا بين الطبقة القيادية وأهداف المؤسسة من جهة وتناقض آخر بين الكوادر الواعية والقرار، مما يرسم صيغ متعددة للقرار.


ثم تبدأ عملية تعايش الأفكار بشكلها السلطوي حيث تستخدم الطبقة القيادية منصبها في فرض القرار وفقاً لرؤيتها، وهي مرحلة تكسير العظام داخل الطبقة القيادية حيث يتم استخدام القوة بأشكالها الناعمة (مثل تخفيض المخصصات المالية وتجميد الصلاحيات) والخشنة (مثل التهديد بعنف السلاح أو كشف المستور في الملفات السرية)، ومن جانب آخر تتم الوساطات بين مراكز القوى وتمرير شيء من المنافع الشخصية من أجل قبولها برؤيا معينة للقرار، الا إذا امتلكت الطبقة القيادية زعامة واحدة متمثلة بصفة رئيس قادر على إقناع الجميع برؤيته أو فرضها باستخدام هيبته أو سلطانه المالي والإداري.


وفي المرحلة التالية في عملية تعايش الأفكار يتم إلزام كل زعيم له أزلام في المؤسسة على تأثيرعليهم لقبول رؤيا الطبقة القيادية للقرار وكأنها رؤيته بعد التعديل، وكذلك يتم حصر التائهين تحت رؤيا الطبقة القيادية باستخدام أساليب الدهاء السياسي بالإقناع، وبهذا تصبح أغلب المؤسسة مؤمنة بأن رؤية الطبقة القيادية للقرار تمثل روح القرار حتى لو تناقض ذلك مع أهداف المؤسسة أو كان القرار أصعب من قدرات المؤسسة وكفاءتها على تنفيذه مما يبني رؤيا لها صيغة القداسة بل أنها تصبح هدف يجب تحقيقه باستخدام كل الأساليب الممكنة.


هذا الانحراف في طريقة فرض الرؤيا للقرار يدفع الكوادر الواعية على تمترس حول أهداف المؤسسة ورفض الوصاية على تفكيرهم، لأن ولاءهم للفكرة وتوحدهم حول أهداف المؤسسة لا تحت أقدام زعامات الطبقة القيادية، في نهوض العقلانية الفردية الرافضة لجبروت التضليل الممنهج من الطبقة القيادية، لكن الكوادر الواعية لا ترفض القرار بل ترفض الرؤيا المفروضة لفهمه، وتطرح تعددية الرؤى للقرار بديلا عن الاستبداد المركزي لتحديد الرؤيا .


وفي ختام تعايش الأفكار تقر الطبقة القيادية أن تعددية الرؤى للقرار مهمة لكنها تتبنى رؤيا محددة وأن الالتزام بها يعد روح الانضباط الطوعي داخل المؤسسة، ومن جانب آخر تكون الكوادر الواعية بدأت بالدعاية لرؤيتها بين التائهين وأزلام زعامات الطبقة القيادية في محاولة يائسة في إنضاج العقول المخدرة والقلوب المجمدة، كما أن الكوادر الواعية تقوم بالدعاية للقرار عن طريق ربطه بأهداف المؤسسة وفقا لرؤيتها، وتسعى جاهدة لإقناع أفراد الطبقة القيادية بصوابية عملهم .


وهنا يتم بناء توسيع مجال الرؤيا للقرار ليشمل تعددية معدلة مبنية على منهجية تعايش الأفكار التي تؤمن أن القرار عامل متحرك وقابل للإزاحة في معادلة تفاضل القرار وفقا لتناقض التناقض في تحليل الرؤيا المستبدة السلطوية والرؤيا المستنيرة المستجيرة بتوسيع مسار القرار ليشمل تحقيق أهداف المؤسسة.

إن منهج تعايش الأفكار يفتح آفاقا واسعة للكوادر الواعية من أجل التمرس العملي في توسيع رؤيا القرار وتجيش المؤسسة نحو أهداف المؤسسة، فالكوادر الواعية ترفض أن يتم السير خلفها دون فهم أسباب تحديد رؤيتها وكذلك ترفض الإساءة للطبقة القيادية لأنها قيادتهم الشرعية، وتصر على تعددية الرؤى للقرار ضمن منهج تعايش الأفكار لضمان القدرة على تنفيذ القرار ضمن مسار يؤدي لتحقيق أهداف المؤسسة.


إن الإيمان في منهج تعايش الأفكار يعطي الكوادر الواعية دورا طليعيا في تثبيت بوصلة عمل المؤسسة في اتجاه تحقيق أهدافها فرؤيتها متبلورة من فهم عميق لفكرة المؤسسة وأهدافها ونظرية عملها، ويعزز مفهوم الاستشارة الداخلية في المؤسسة دون محاولة ترويضها بالإغراءات أو إفسادها بالعقوبات. إن الخلط بين حرية الرأي كمرحلة ابتدائية في آلية صناعة القرار وتعايش الأفكار كمرحلة النهائية لإقرار تعددية الرؤى للقرار من الطبقة القيادية في المؤسسة، يفقد المؤسسة ديموقرطيتها ويحول قيادتها لطبقة متسلطة مستبدة ترفضها الطبقات الدنيا لكنها تخشى عقابها في البداية ثم تبدأ بتمرد سري هدفه المبدئي  تغيير الطبقة القيادية وهدفه الاستراتيجي تثبيت منهج تعايش الأفكار داخل المؤسسة.

خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment