مقال بعنوان : الصمود يصنع النصر
نهاية الحرب تكون بالنصر لطرف والهزيمة للطرف الآخر بالحسابات
التقليدية ، إلا أن الحروب الحديثة أدخلت مفاهيم جديدة تتخطى قضية الحسم العسكري
لتصل إلي هزيمة فكرة النظام وحتى تصل إلي هزيمة جنس بشري وتحويله إلي عبيد برضاهم
.
إن تحديد هدف الحرب يعطي رسما بيانيا يوضح مقومات الطرفين وفاعلية هذه
المقومات مقابل معامل النصر والهزيمة ، وقضية فاعلية المقومات هنا مهمة لأنها تحدد
القدرة على إدارة هذه المقومات أو ما أسميه اصطلاحاً كفاءة الإدارة السياسية
باستخدام مقومات الوطن في صراع العدو . وهذه المقومات تشمل على كل مقدرات الوطن
وقدرتها على خوض الحرب عن طريق إدارة سياسية ذات مران بإدارة الأزمات ودراية تامة
: أن هدف الحرب قابل لتحقيق النصر أو أن الهزيمة لن تفقد مقومات الوطن القدرة على
إعادة البناء والاستعداد لحرب جديدة .
إن قضية الحسم العسكري في الحروب الحديثة أثبت فشلا ذريعاً ، مما جعل
المعارك تستمر بحرب استنزاف طويلة مع جماعات مقاتلة تعتمد على مقومات عابرة للحدود
وتجاهل متعمد للمقومات الوطنية ، فأصبح الوطن محتلاً عسكرياً من طرف ومقوماته
مهملة من طرف آخر مما أدى إلي تفكيك اللحمة المجتمعية في العديد من الدول المحتلة
، وهذا ما أسميه اصطلاحا هزيمة فكرة النظام .
إن هزيمة فكرة النظام تؤدي إلي تشكيل مجتمع متخاصم مع نفسه بشكل دموي
مما يفتت كافة الأوعية الحاوية لفكرة النظام مثل إنهيار الانتماء للوطن والانحراف
الفكري بقراءة التراث الوطني وخلق عصبيات تمجد الدين أو العرق أو حتى القبيلة مما
يعري المواطن من الكل الروابط المجتمعة ويصبح كافراً بكل شيء يمثل الوطن ، بل يبدأ
بالهجرة إلي فكرة نظام جديدة عنوانها سرابي ومشوارها ضبابي ، وهذا ما أسميه
اصطلاحاً هزيمة الجنس البشري وزوال صفة المواطنة عنه .
ومما لا شك فيه ، أن الطرف المنتصر بالحرب الحديثة لا يكتفي بزوال
فكرة المواطنة عن المهزومين بل يسعى جاهداً لاقناعهم بأن طريقة إدارته لدولتهم أفضل
لهم ، وأن ثقافته وفكرة نظامه هي الأفضل مما يجعل المهزومين يتحولوا إلي تابعين
ومؤيدين للاحتلال ، بل مستعدين الموت من أجل بقاء الاحتلال . الا أن المنتصر لا
يكتفي بذلك ويسعى جاهداً لإذلال المهزومين وتقليل من قدرتهم على العمل ورفض فكرة
ولاءهم له حتى يتأكد أنهم وصلوا مرحلة العبيد برضاهم وهذا ما أسميه اصطلاحاً
الهزيمة الكاملة .
والسؤال المهم كيف نقبل الهزيمة العسكرية دون أن نفقد مقومات فكرة
النظام ؟ جواب صعب لأنهم مختصر بكلمة الصمود ، والصمود ليس شعاراً بل هو أقوى
أشكال النضال فاعلية ، لأنه يُفْقِد المنتصر زهوة فرحته بالحسم العسكري . ولعل
أسمى درجات الصمود تتمثل بالعصيان المدني ومقاطعة المحتل اقتصادياً مما يسبب ركود
لفكرة الانتصار ، فيبدأ بمعارك غير حربية لتثبيت نصره ، فيفرض الضرائب ويعيق
البناء الاقتصادي ويفرض الحصار على الأسواق ويسعى جاهداً للوصول لتبعية الاقتصادية
الكاملة.
إذن الصمود أكبر من النصر والصمود هو آخر سلاح بوجه الاحتلال ،
والصمود يعني القدرة على استمرار الحياة والبقاء حرّاس للأرض وأكثر من ذلك تشكيل
طواقم الجيش الشعبي لتعليم المواطنين كافة طرق التعامل مع الكوراث مثل الإسعافات
الأولية وأساليب الاختباء أثناء القصف وآليه التعامل مع الأمور الطارئة مع قدر
عالي من التكافل الاجتماعي وكفاءة فاعلة للتضامن المجتمعي . الصمود لا يعد نصراُ
لكنه يهزم كل الانتصارات العدو ويعيد الثقة في فكرة النظام الوطني ويعزز الشعور
بالمواطنة ، مما يعيد بناء المقومات الوطنية التي تستطيع خوض حرب جديدة لتحقيق
النصر ودحر الاحتلال.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
No comments:
Post a Comment