مقال بعنوان : قضية الحمير في غزة
الحمار
في غزة له معزة ، يجول في منع التجوال ، يدخل لمناطق الاشتباك ، يعمل في كل مجال ،
سيارة إسعاف ، حافلة نقل النازحين ، ينقل المؤن ويتفجر بالصهاينة مفخخاً . هم
كانوا ثلاثة آلاف حمار مرخص ، بعضها للبضائع ، وأكثرها لنقل الركاب ، أجره أرخص في
زمن حصار الوقود ، أصبح أسد الطرقات ، وحلٌ لكل الأزمات . حمارنا مثل باقي الحمير
، ينهق ست مرات باليوم ، يأكل البرسيم وباقي الطعام ، يعمل طيلة النهار ، ويرضى
بالقليل .
هذا
ليس هذيان ولا استخفاف بالعقول بل قضية ذات أهمية ، فالحمير في غزة هي عصب
المواصلات العامة ، كما أن تقليص عدد سيارات الاسعاف لنصف وترك المهمة للكارلو –
أي عربة يجرها حماراً – يصف مدى أهمية الموضوع ، كما أن الجيش الصهيوني قنص أكثر
من خمسين حماراً وتم تفخيف حوالي خمسة عشرة حماراً . إذن هو جزء من معادلة المعركة
للمقاتلين ، وهو كل المواصلات للمدنيين .
ننعته
بأبوصابر فهو يتحمل أكثر من غيره ، وهو غنج ودلع لحبه الغرام والمعاكسات ، وهو أسد
البحر لقدرته العجيبة للعمل لساعات طويلة ، وهو الجدع فهو لا يخيب ظن صاحبه أبداً
. يتحمرن مثل باقي الحمير يرفض كل شيء ثم يهدأ ويقبل كل شيء . يصف أحياناً فيشرد
عن المكان فترة قد تطول إلا أنه يعود مرحا بنشوة الأحلام فيتفحص حاله ويرضى بقدره
.
قتل
حماراً وفُقِد آخر ، حماراً تركه صاحبه وحيداً ، حماراً لم ينم منذ ثلاث ليال ،
حماراً تفجر ، حماراً تحمرن لأكثر من يومين ، حماراً جريح ، حماراً وقف صافناً
لمدة أسبوع . قتل عشر حمير عُزّل في زريبتهم المنزوعة السلاح ، حمارين يكسران
الهدنة ويتفجران بالصهاينة ، وحمار يقف أمام بيت صاحبه المدمر ، حماراً يرفض نقل
المؤن فهو مخصص للركاب النازحين أو الجرحى أو الشهداء .
حمارنا
له عزيمة وبالمعارك ذو شكيمة لا يهرب من الرصاص ولا صوت الانفجارات ، حمارنا وفيٌ
لصاحبه حتى لو نزح وتركه وحيداً ، فطين بالأزمات يحفظ الطرقات يعلم الغايات ،
مقداماً حين العازة وكل طلباتنا عازة . حمارنا يغضب من الغرباء فلا رحمة للأعداء .
حمارنا
يتحمل منا كل الشتائم ، نصرخ به إسرع هنا جريح وهناك شهيد وبالخلف وزّعت إسرائيل
مناشير ، أحمل أحمالنا للأمان ، وعجِّل فهناك عملٌ إضافي ، وآخر اضطراري ، وأخير
قتالي . حمارنا لم ينم لم يشرب لم يأكل لكنه مازال يعمل رغم نوم أمة عربية كاملة
!!!
حمارنا
يعمل في الأنفاق في البحر في الطرقات وينام واقفاً دون طعام ، هل بقي أن ننعته
بالنضال أو البطولة عفواً فهو رمز الفحولة وخيارنا بحصارنا كي لا نركع من أجل
الوقود . حمارنا يصفن ويحلم بالنوم بزريبته ساعة وأن يشرب ليرتوي ويأكل ليشبع .
عفوا
عزيزي الحمار فالمحنة أكبر من أن نذكر فضائلك ، أطفالنا وأنفسنا بخطر فسامحنا إن
لم ننصفك ، أنت في غزة وأنت تعرف ماذا حل بنا ، وتشاركنا الرعب والغضب ، تحلمّلنا
أبوصابر فأنت أصيل من الأكابر ، سامحنا يا دلع وغنج فالحب شيمتك الكبرى ، وساعدنا
يا أسد البحر فأنت جبل المحامل ، وأقف معنا يا جدع فأنت أوفى من كبار العرب .
خالد
أبوعدنان
ولدت
لاجئا وأعيش مهاجرا
No comments:
Post a Comment