Friday, 19 September 2014

مقال بعنوان : قضية الحمير في غزة

مقال بعنوان : قضية الحمير في غزة
الحمار في غزة له معزة ، يجول في منع التجوال ، يدخل لمناطق الاشتباك ، يعمل في كل مجال ، سيارة إسعاف ، حافلة نقل النازحين ، ينقل المؤن ويتفجر بالصهاينة مفخخاً . هم كانوا ثلاثة آلاف حمار مرخص ، بعضها للبضائع ، وأكثرها لنقل الركاب ، أجره أرخص في زمن حصار الوقود ، أصبح أسد الطرقات ، وحلٌ لكل الأزمات . حمارنا مثل باقي الحمير ، ينهق ست مرات باليوم ، يأكل البرسيم وباقي الطعام ، يعمل طيلة النهار ، ويرضى بالقليل .
هذا ليس هذيان ولا استخفاف بالعقول بل قضية ذات أهمية ، فالحمير في غزة هي عصب المواصلات العامة ، كما أن تقليص عدد سيارات الاسعاف لنصف وترك المهمة للكارلو – أي عربة يجرها حماراً – يصف مدى أهمية الموضوع ، كما أن الجيش الصهيوني قنص أكثر من خمسين حماراً وتم تفخيف حوالي خمسة عشرة حماراً . إذن هو جزء من معادلة المعركة للمقاتلين ، وهو كل المواصلات للمدنيين .
ننعته بأبوصابر فهو يتحمل أكثر من غيره ، وهو غنج ودلع لحبه الغرام والمعاكسات ، وهو أسد البحر لقدرته العجيبة للعمل لساعات طويلة ، وهو الجدع فهو لا يخيب ظن صاحبه أبداً . يتحمرن مثل باقي الحمير يرفض كل شيء ثم يهدأ ويقبل كل شيء . يصف أحياناً فيشرد عن المكان فترة قد تطول إلا أنه يعود مرحا بنشوة الأحلام فيتفحص حاله ويرضى بقدره .
قتل حماراً وفُقِد آخر ، حماراً تركه صاحبه وحيداً ، حماراً لم ينم منذ ثلاث ليال ، حماراً تفجر ، حماراً تحمرن لأكثر من يومين ، حماراً جريح ، حماراً وقف صافناً لمدة أسبوع . قتل عشر حمير عُزّل في زريبتهم المنزوعة السلاح ، حمارين يكسران الهدنة ويتفجران بالصهاينة ، وحمار يقف أمام بيت صاحبه المدمر ، حماراً يرفض نقل المؤن فهو مخصص للركاب النازحين أو الجرحى أو الشهداء .
حمارنا له عزيمة وبالمعارك ذو شكيمة لا يهرب من الرصاص ولا صوت الانفجارات ، حمارنا وفيٌ لصاحبه حتى لو نزح وتركه وحيداً ، فطين بالأزمات يحفظ الطرقات يعلم الغايات ، مقداماً حين العازة وكل طلباتنا عازة . حمارنا يغضب من الغرباء فلا رحمة للأعداء .
حمارنا يتحمل منا كل الشتائم ، نصرخ به إسرع هنا جريح وهناك شهيد وبالخلف وزّعت إسرائيل مناشير ، أحمل أحمالنا للأمان ، وعجِّل فهناك عملٌ إضافي ، وآخر اضطراري ، وأخير قتالي . حمارنا لم ينم لم يشرب لم يأكل لكنه مازال يعمل رغم نوم أمة عربية كاملة !!!
حمارنا يعمل في الأنفاق في البحر في الطرقات وينام واقفاً دون طعام ، هل بقي أن ننعته بالنضال أو البطولة عفواً فهو رمز الفحولة وخيارنا بحصارنا كي لا نركع من أجل الوقود . حمارنا يصفن ويحلم بالنوم بزريبته ساعة وأن يشرب ليرتوي ويأكل ليشبع .
عفوا عزيزي الحمار فالمحنة أكبر من أن نذكر فضائلك ، أطفالنا وأنفسنا بخطر فسامحنا إن لم ننصفك ، أنت في غزة وأنت تعرف ماذا حل بنا ، وتشاركنا الرعب والغضب ، تحلمّلنا أبوصابر فأنت أصيل من الأكابر ، سامحنا يا دلع وغنج فالحب شيمتك الكبرى ، وساعدنا يا أسد البحر فأنت جبل المحامل ، وأقف معنا يا جدع فأنت أوفى من كبار العرب .
خالد أبوعدنان

ولدت لاجئا وأعيش مهاجرا 

No comments:

Post a Comment