Friday, 19 September 2014

مقال بعنوان : المقاومة الفلسطينية والهندسة المعكوسة

مقال بعنوان : المقاومة الفلسطينية والهندسة المعكوسة
إن الفرع التكميلي من هندسة تخطيط المدن المتخصص بعمل خدمات البنى التحتية مثل شبكات الماء والكهرباء وغيرها تم تطويره من ناحية عسكرية لتصدي للتمردات الشعبية والانقلابات السياسية ، فهو يدرس كيفية هدم الجدران واختراقها وكيفية استبدال الطرق والأزقة بفتح طرق بديلة عبر اختراق الجدران الداخلية للأبنية – أي الآنفاق – عن طريق متفجرات ذات تأثير موضعي ، فالهدف مفاجأة الوصول للعدو دون تدمير المدينة .
أن هذه النظرية مهمة جداً في حرب الشوارع وتخفيف حصار المدن وقد استخدمتها ثورات عديدة لمكافحة حصار المدن ، فهي أساسية لطرق الامداد والاسناد ومهمة لحركة القيادة الميدانية ونقل المقاتلين ، وكانت ركن أساسي من أركان الهندسة العسكرية في كثير من الثورات .
إن علم الآثار يدلل على قدم الهندسة المعكوسة في فلسطين حيث أن المدن المحصنة بالأسوار ، كان تحت هذه الأسوار أنفاق متنوعة الأهداف ولعل أهم هدف هو تأمين الماء ثم الطعام، أما قضية المواصلات والاتصال فكان لها أساليب عديدة تعتمد على التمويه والحيلة، وكان أغلب الانفاق تطلى بطبقة من الفخار كما أن أرضيتها تكون مائية لتصعيب عملية تعقب الأثر ، وهي ملتوية بداهاليز مغلقة وكان السير فيها بحاجة لمرشد وخريطة ، وكانت تحوي على مخازن احتياطية من الماء والزيت والقمح ، وإن أنفاق الدخول المدن غير أنفاق الخروج منها .
أما نظرية العملانية فهي نظرية اسرائيلية بحتة لم تطبق في أي مكان آخر من العالم وتعتمد على فتح ثغرات في الأبنية لاستخدامها مرة واحدة ودون مراعاة سلامة الأبنية ودون إذن ملاك الأبنية الذين يتم احتجازهم في جزء من المبنى المقتحم دون ماء او شراب لمدة أيام كما حدث في اقتحام نابلس عام 2002.
وهنا نقف مع تجربة جديدة أخرى وهي أنفاق غزة فلسطين فهي تمثل الداعم الأساسي في صمود الشعب وتعتبر حاليا أهم وسيلة عسكرية تتبعها المقاومة لمفاجأة العدو وتحريك القوات والعتاد دون التقليل من فعالية القتال والافلات من الهجوم الشرس للعدو ، فقد وافقت بين سرية مواقع المقاومة واستمرار ضرب العدو ، مما جعل إطالة الحرب لا تكسب تفوق العدو التكنولوجي القدرة على الحسم السريع بل على العكس يطور من قدرات الدفاع في التخفي بعدما علموا تقنية إدارة المعارك عند العدو . والناحية النفسية لدفاع  المقاومة ترتفع بتأييد الشعب لها ولقدرتها على ضرب العدو واستمرار القتال مما يقوي اللحمة الوطنية ويعزز تأييد الحلفاء للمطالب السياسية للمقاومة ويكسبها تأييد الرأي العام العالمي .
الا أن استمرار القتال في المناطق المحاصرة مثل غزة فلسطين يشكل ضغطا سياسيا وإنسانيا على المقاومة لعدم تمكنها من صد هجوم العدو الشرس ضد المدنيين وضرب البنى التحتية من خلال قطع الكهرباء والماء وارتفاع نسبة المهجرين من مساكنهم ، إضافة لارتقاع أعداد الشهداء والجرحى . هذا الضغط السياسي شكّل السبب الأساسي لقبول مبدأ الهدنات المتقطعة وقد يشكّل ورقة ضاغطة على مجريات أي مفاوضات مستقبلية ، وهو يوازي الضغط الشعبي عند العدو لعدم قدرته على إيقاف صواريخ المقاومة ، وتبقى نقطة التخزين والامداد بالنسبة للمقاومة هي ما ينقصنا لتقييم الشامل للمعركة من الجانب العسكري ، فمن ناحية تم نشر الجيش المصري لمنع استعمال الأنفاق ولا نعلم إذا كان هناك موافقة سرية لدخول السلاح من المعابر ، ومن ناحية أخرى فإن كل صاروخ تطلقه المقاومة يعني خسارة شيء من المخزون الاستراتيجي لها من أجل أهداف تكتيكية ، وهذا يعد خطأ عسكري خطير لأنه لايؤدي لخسارة المعركة بل لخسارة الحرب كلها ، الا أن بعض التصريحات تؤكد وجود تصنيع عسكري كامل تحت الأرض ، وحتى إن وجد هذا الأمر فهو بحاجة لمواد خام وطاقة في منطقة محاصرة .
غزة فلسطين تحفر نفق الحرية بالهندسة المعكوسة لتنهي العملانية الإسرائيلية بفك الحصار ، وكما هي إرادة الشعب المقهورة قادرة على الصمود وتضحي بالكثير الكثير من أجل الحفاظ على المقاومة لتحقيق مطالبنا السياسية ، فإن القيادة العسكرية عليها مهام واضحة وواقعية وعليها تأمين ورقة ضغط للمفاوض الفلسطيني يستطيع من خلالها تحقيق هدفنا المرحلي بفك الحصار وتأمين السيادة الفلسطينية الكاملة على تراب غزة فلسطين الحبيبة .
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا


No comments:

Post a Comment