Friday, 19 September 2014

دراسة بعنوان : مُشاكلة الفكر الفلسطيني المعاصر

دراسة بعنوان : مُشاكلة الفكر الفلسطيني المعاصر
الفكر والتفكير وإنشاء أفكار جديدة تزامن مع وجود الإنسانية ، وهي السبب الأساسي لبناء الحضارة وهدمها بالحروب على مر العصور، وإذا نظرنا للصراع العربي الصهيوني نرى الكثير من النظريات الفكرية والأساليب التفكير وأيضا نرى أفكار جديدة كل يوم ، تأتي من كل من له علاقة بالصراع ، وإن المجهود الصهيوني متواصل لابتكار أفكار جديدة لمواصلة مشروعهم وتمتين دعائمه ، ومن ناحية ثانية تسعى جاهدة لتشتيت الأفكار المعادية والدعاية للأفكار الهادمة لفكرة مقاومة المشروع الصهيوني . أما الجانب الآخر – الجانب الفلسطيني خصوصا – يتوحد على عموميات قديمة ونادرا ما يجهد نفسه بابتكار أفكار جديدة ، بل أن المعروض في سوق أفكار المقاومة يتم اجتراره دون تطويره ، وإن القليل المتفائل يتبنى التمترس على أصل الأفكار مثل مقاومة الاحتلال والاستقلال الوطني والكفاح المسلح والتعايش السلمي دون تطوير أساليب تفكير جديدة لتطوير أصل الأفكار أو تجريب أفكار الجديدة .
إن المدارس الفكرية الفلسطينية الأربعة ( فتح –اليسار الفلسطيني – الحركات الإسلامية – الأحزاب العربية في إسرائيل )  فقدت الكثير من شعبيتها خلال العقد الماضي لصالح مبادرات شبابية ذات أفكار جديدة لكنها تعمل ضمن نطاق محدود ولا تطرح أجوبة لقضايا الصراع الاستراتيجية ، مما أضعف الزخم الجماهير الثورية داخل مكونات الشعب الفلسطيني مقابل نمو سريع لأفكار التضامن الاجتماعي الشعبوي بعيدا عن تأطيره بالتنظينات السياسية . فجاءت الأفكار متلونة بالحاجات الاستهلاكية العاجلة للمحيط المجتمعي الصغير دون التفكير العميق لمجمل حاجات الشعب الفلسطيني وطرق تقويم الفكر المقاوم .
ومن خلال نظرة تاريخية لتطور الفكر المقاوم الفلسطيني نرى أنه بدأ نخبويا ضمن إطار العائلات الكبرى ذات نفوذ في الرأس المال الاجتماعي ثم شكّل أحزابا سياسية هشة انهارت مع ثورة 1936 تاركا فراغا تعبويا ضروريا مما شكل أول أزمة تمثيل لشعب الفلسطيني ، ولم تستطع النخب السياسية تداركه الا بعد أربعة أعوام مكونة كتلتين حزبيتين لكل منهما تبعية أقليمية محددة وتم نقل القرار الفلسطيني للعواصم العربية . أن دراسة معمقة للأفكار التي كانت مطروحة في تلك الفترة توضح لنا معنى تفكيك الأفكار السياسية وتحولها إلي العمل العسكري المتمسك بأصل الأفكار المقاومة ، وقد تكررت هذه العملية في أكثر من مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني ، الذي يعد المحك والمختبر لمجمل الأفكار المتثافقة ( ربط الثقافة بالدين أو القومية ) في محيط العربي والإسلامي الحاضن الطبيعي للفكر الفلسطيني المقاوم.
لعل تهجير السواد الأعظم من الفلسطينيين لدول الطوق جعلهم يمرون بمرحلة امتحان أفكار جديدة ، فانخرطوا بالعمل الحزبي ومؤسسات تنظيمية ترفع شعارات مفرغة من آليات عمل أو أساليب تفكير تساعد على ترميم الفكر المقاوم وأصبح هناك قناعة عند الفلسطينيين أن الجمهرة المظلمة لا تنير طريق العودة ولابد من مرحلة تفكيكية جديدة فتبنوا الكفاح المسلح دون القدرة على تحديد نوعية الأفكار أو أساليب التفكير المؤدية لتحقيق أصل الأفكار ، مما جعلهم يتبنون الفكر الثوري الشامل مثل فكر التحرر من الاحتلال أو خلق جبهة شعبية ذات أطياف فكرية متناحرة ، تمخض ذلك كله بتشكيل حواضن جامعة غير متجانسة فكرية لكنها متوافقة بأساليب التفكير وقادرة على استيعاب أفكار جديدة وهذه هي مرحلة الستينات وهي مرحلة المثالية الثورية التي بلورة أصل الأفكار من جديد فتم شرح الأصول الفكرية وتوافق على أساليب تفكير محددة داخل كل التنظيمات الفلسطينية الثورية وبالتالي تم محاصرة التثاقف الأقليمي مما أدي خسارة جزء مهم من دور جبهة الاسناد العربي ، وهذا جعل كل دولة أو تنظيم سياسي قومي أو ديني يشكل فرع خاص فقط لفلسطين وأحيانا تنظيمات ثورية فلسطينية متثاقفة عربية ومتحولة عن توافق أساليب التفكير الثوري الفلسطيني لكنها متمسكة بأصل الأفكار الثورية مفرزة أول مشاكلة بالفكر المقاوم .
انتهت هذه المشاكلة بصياغة البرنامج المرحلي في منتصف السبعينات معلنة بداية مرحلة الواقعية الثورية دون إيمانها بوحدانية أساليب التفكير لكنها رسمت أصل الأفكار متوافقة مع توحيد فعل الثوري داخل مؤسسات منظمة التحرير مما عزز دور رأس المال الاجتماعي داخل التنظيمات وساهم بتحديد مهام المنظمات الأهلية ودعم بنى مؤسسات المجتمع المدني ، لكن أغلب ذلك انهار بمنتصف الثمانينات مشكل مشاكلة ثانية لها علاقة بأصل الأفكار ، خصوصا الكفاح المسلح والاستقلال الوطني . ولعل المشاكلة الثانية كانت أوضح من الأولى بسبب تعدد المشكلات وتتالي الأزمات مما جعل العقد المفصلية تطغى على صورة العامة للفكر المقاوم مما أرهق التنظير التنظيمي وجمّد التفكير الثوري .
لكن هذه المشاكلة انتهت مع مرحلة تفكيكية لأصل الأفكار وتعديل ابداعي على أساليب التفكير مع دخول أفكار جديدة ، من خلال الانتفاضة الاولى وإعلان الاستقلال مما أسهم في تحريك غير مقنع ثوريا من ناحية وله اجماع تنظيمي تعبوي مما خلق مرحلة الواقعية المزدوجة لأصل الأفكار وتحرير أساليب التفكير من أصل الأفكار ، وهذا السبب الحقيقي بتشكل النظام السياسي الفلسطيني ، فأصبح ابن التنظيم ملزم بقرارات التنظيم من ناحية ويؤمن بطرح أفكار الإجماع الوطني بالمجمل مع ديلاكتيك الاستقطاب التنظمي والتعبئة لأفكار الإجماع الوطني ، مما خلق ليبراية الدولة وديموقراطية الثورة وهذا أدى إلي تثاقف أقليمي جديد أفرز عن تكوين تنظيم حركة حماس المعارض لهذه المرحلة والداعي لتمسك بأصل الأفكار وهدم النظام السياسي الفلسطيني مع الموافقة على ديمقراطية الثورة .
وتبع ذلك مرحلة تفكيكية كبرى مع  العملية السلمية أدت إلي انقسام مدهش بين فكرة الحفاظ على النظام السياسي متمترس على فكر تنظيم واحد وهو حركة فتح مقابل تجمهر باقي التنظيمات في تثاقف أقليمي جديد لكنه هذه المرة لم يفرز أي إعاقة بسبب عدمية أساليب التفكير وضعف الفعل الثوري المضاد للنطام السياسي الفلسطيني مما عزز مفهوم ليبرالية الدولة وديموقراطية الثورة ، وهذا جعل التنظيمات السياسية تبحث عن أساليب تفكير توافقية مع النظام السياسي الفلسطيني لفشل تثاقفهم الأقليمي ، مما دعم فكرة الحفاظ على النظام والاختلاف على الثورة ، وهو المسبب الأساسي لانهيار منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها مقابل فوضى بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية لتكون حصن النظام السياسي الجديد ، وهذا حقق معجزة بقاء السلطة الفلسطينية أثناء الانتفاضة الثانية رغم إنها كانت مسلحة وليس لها أساليب تفكير جديدة بل أعادت الجميع لأصل الأفكار مما سبب بخلق مشاكلة غير متوقعة بعد وفاة الشهيدين الرئيس ياسر عرفات وعبدالعزيز الرنتيسي .
إن هذه المشاكلة جاءت داخلية بالتنظيمات الرئيسية دون أن تشكل تيار حمائم وآخر صقور بل نجم عنها رفض للفكر المتحول للقيادة الجديدة ، حتى لو كان تطويرا إيجابيا بل أن أغلب الفعل الثوري انصب على فكرة إعادة بناء التنظيمات من الداخل في فتح وحماس كمحورين أساسيين مما أدى إلي اضمحلال باقي التنظيمات وضعف الاستقطاب لأي فعل ثوري فتوقفت الانتفاضة على أمل إعادة ترميم النظام السياسي. فجاءت نتائج الانتخابات التشريعة لتطلب بديل عن أفكار النظام السياسي دون المطالبة بتغيير ليبرالية الدولة وديموقراطية الثورية مشكلة مرحلة ميلاد الدولة القطبية ذات جزبين رئيسين يقبلان المنافسة على السلطة عن طريق صندوق الاقتراع ، وهو يعد أعظم انجاز للرئيس محمود عباس .
الا أن فتح وحماس لم يجهدوا أنفسهم بإعادة أساليب التفكير لمرحلة الدولة القطبية ولم يسعوا الاستنباط أفكار جديدة مما أدى إلي صدام فكري بين فكرة تداول السلطة وفكرة ديمواقراطية الثورة مما أدى إلي انقسام سياسي وانقلاب على النظام السياسي مما شكل دولة ذات رأسين ، وهو السبب الحقيقي نحو العودة المُرة للوراء عن طريق المبادرات الفردية ومنظمات المجتمع المدني كإطار للفعل الثوري بديلا عن التنظيمات السياسية مما خلق مشاكلة جديدة سببها التثاقف الأقليمي والدولي ، وهذه المرحلة من التثاقف أفرز كيانات صغيرة لها مصادر مالية كبيرة ولها نفوذ دولي وهي رافضة لكل من فتح وحماس وتركز على أصل واحد من أصول الأفكار وهو التعايش السلمي والنضال من خلال الإيمان به ، رغم أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني غير مقتنعة به الا أنها وقفت مع هذا التثاقف رفضا لفكرة دولة ذات رأسين ، ورفضا لفكرة التناحر الفكري الفلسطيني الداخلي مع عدمية أساليب التفكير الجديدة لاستمرار النضال .
إن المصالحة الفلسطينية  بين فتح وحماس كانت ولا تزال المخرج الحقيقي من مشاكلة الفكر الفلسطيني ، ولعل آلية المصالحة أخذت وقتا طويلا بنظر الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني لكنها مصالحة صادقة بكل المقاييس لحد لآن ، فهناك إيمان راسخ بفكرة الدولة القطبية وهناك تبادلية في أساليب التفكير ظهرت بأعمال الوفد المفاوض وأيضا بالعمل الميداني المشترك بكل أشكال النضال خلال العدوان على غزة فلسطين صيف 2014 . وإن كان هناك مخاوف من تجاذبات الإقليمية أو طغيان العسكري على السياسي ، فمجرد مذاكرة مشاكلة الفكر الفلسطيني المعاصر تعطينا الكثير من الأمل أن بعد كل جزر هناك مد وأن حلحلت العقد المفصلية أسهل بكثير من العيش داخل مشاكلة جديدة .
إن المطلوب حالياً من قطبي الدولة الفلسطينية إعادة تدارس أصل الأفكار معاً بعد أن يشكلوا ورشات عمل داخل كل منهما لإعادة تقييم أساليب الأفكار داخليا والعمل على تطويرها لتتماشى مع مفهوم الدولة القطبية ، ومن ناحية ثانية توسيع برامج استقطاب الأفكار الجديدة ووضع خطة لسحب المبادرة من الجمهرة المظلمة في المنطمات الغير حكومية . هذا هو المطلوب لعالج مشاكلة الفكر الفلسطيني المعاصر وإيقاف حدود الاختلاف عند مفهوم أزمات سياسية ومشكلات تنظيمية دون الوصول إلي مرحلة الاختلاف على أصل الأفكار .
إن الليونة المطلوبة بالفعل الثوري العقلي لا تتعارض مع صلابة العنف الثوري ، لأن الأولى تتعامل مع الطاقة الثورية التعقلية مثل النقاش داخل وحدة الثقافة التنظيمية وإدارة الحوار بالتنظير الحزبي وصولا لصوغ أسس التفاوض وكيفية تنفيذ التعايش السلمي المتوازن بينما يتعامل العنف الثوري مع الانضباط للحفاظ على وحدة التنظيم من الداخل والتمسك بدعائم النظام السياسي الفلسطيني ليبقى وطنيا بعيدا عن التجاذبات الإقليمية والمحاور الدولية للوصول إلي تجيش كل العنف الثوري لمقارعة العدو وخلق السيادة الوطنية على مجمع مكونات الكيان الفلسطيني بأجزاءه الثلاث فلسطينيو 48 وسكان الوطن والشتات ، ويعد هذا مطلبا أساسيا لدفع النضال الفلسطيني نحو تحقيق غاياته السامية وعلى رأسها وحدانية أصل الأفكار وتوافق أساليب التفكير بما يناسب كل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني مع إبقاء الباب مفتوحا لكل الأفكار الجديدة حتى لا نصاب بالجمود الفكري أو نسمح لظهور تطرف فكري داخل المجتمعات الفلسطينية ، وهذه القضية ليست سهلة فهي تسري كسرطان بالمحيط العربي وهدفها تفتيت أصل الأفكار وتجميد أساليب التفكير وقتل أي فكرة جديدة ، فهي رفض لكل ما هو مطروح ، ومن نظرة فاحصة نرى أن محاربة التطرف مارسته كل من فتح وحماس خلال العقد الماضي فهما متفقان أن هذا التطرف يلغي المشروع الوطني ، وهناك الكثير من أساليب التفكير المشتركة بين الحركتين وهذه القاعدة التي تشكل البنية الحقيقية للدولة القطبية .
خالد أبوعدنان

ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا 

No comments:

Post a Comment