Friday, 19 September 2014

مقال بعنوان :حرية العبيد

 مقال بعنوان :حرية العبيد
هل هناك مواصفات محددة تجعلنا نقول أن فلان إنسان حر؟ هل هناك مجتمع حر؟ هل إنتهى عصر الحرية ؟ للإجابة على هذه التساؤلات، سأحاول كتابة مقالي .
منذ فجر التاريخ وضعت قوانين تفصيلية عن العبيد واستعباد الناس ذكورا وإيناثا، وشرح المشرعين كيف يصبح الانسان عبدا ؟ ابتداءا بمفهوم المهزوم بالحرب يصبح عبدا وانتهاءا بيع الأبناء أو البنات من قبل ذويهم ؟
وتطورت التشريعات لتعطي بعض العبيد حقوقا مثل حق التملك للملبس وحق الحصول على وجبة طعام يوميا وثم تدرجت بحق الحصول على المسكن والاستحمام أيضا. أقول هذا لأن العصور السحيقة كانت تستغل العبيد حتى يموتوا ولكن حصل تطور تاريخي عندما إقتنع المنتصرون بالحرب من أن العبيد ممكن أن يكونوا مفيدين لفترة أطول من يومين. كان هذا التطور لحاجة مادية رغم المخاطر الناجمة عن فقدان الثقة ، لإن العبيد كانوا أعداء محاربين وهم بالتالي ليسوا عبيدا بالفطرة. وكانت الفكرة وراء الاستفادة من العبيد فترة أطول هي كيف يمكن ترويض الانسان ليصبح عبدا مطيعا رغما عن تاريخه كعدو محارب؟
بذور فكرة اسعباد الانسان جاءت بعد التمرس على ترويض الحيوانات البرية ، وكما صنفها المؤرخون بأن هناك حيوانات يمكن تدجينها وحيوانات ممكن استئناسها وحيوانات يمكن ترويضها وفقط. أي أن الترويض مسألة خطيرة لا يمكن نقلها لدرجة تدجين أو الاستئناس. وإذا خضنا بهذا التدرج يصبح سهلا فهم التدجين بمثال الدجاج أو الحمام كما يمكن فهم الاستئناس بكلب الحراسة أما الترويض فهو مثل الأسد في السيرك. أن كل هذه الحيوانات مدللة ويحبها أصحابها إلا أن التعامل معها مختلف حسب درجة العبودية.
أن الضرورة لوجود العبيد كانت ومازالت ملازمة للفكر الانساني الاستعبادي ، رغم سن القوانين لمنعها إلا أنها موجودة بصور متلونة في كافة بلدان العالم. ويمكن استمرار وجودها بالحاجة الماسة لها. وإن استعضنا عن تسميتها باسمها الفعلي يمكن أن تسميها ما شئت.
والحقيقة التاريخية أن الاستعباد الانسان بقية بدرجة الترويض ولم ينتقل لدرجة الاستئناس لفترة طويلة، حيث العزل التام في العمل والمأكل والملبس والمسكن. فقد كان ينام العبيد مكبلين اليدين ويأكلون بقايا الطعام وأحيانا يشاركون الماشية طعامهم. إلا فكرة التدجين جاءت عندما قرر الأغنياء فرض مزيد من الرضوخ للفقراء الأحرار بتقديم عرض سخي وهو شراء أبناؤهم مقابل عوض مالي وهي فكرة أدخلت عملية الاستعباد منحى جديد، حيث فهمه العبيد بشكل مقلوب؟ لقد فهم العبيد أن العبد ممكن أن يتحرر مقابل عوض مالي وهي بداية فكر التحرري في العالم، حيث أن للحرية ثمن والعبيد ممكن أن يدفعوا الثمن ولكن ماهو الثمن الذي يملكه عبد مجرد من ملكية غير أنفاسه؟
بداية هذه الجدلية كانت إلحاح العبيد لنيل الحرية وإصرار الملاكين باحتفاظ بهم بحظائرهم الخاصة. وبدأ العبيد دخول الممنوع للحصول على الحرية. بأقذر الأعمال مثل السطو وتخريب أملاك أعداء مالكيهم. وصولا لتسلية العبيد بما سمي إصطلاحا العبد الأقوى سيعامل معاملة أفضل دون الحصول على الحرية الكاملة. وهذا خلق ثورة العبيد النجسة، حيث بدأ العبد بأنانية يقامر بمصير رفاقه العبيد وبنهاية كلهم خاسرين، لافتقاد الثقة بين العبد وسيده من جانب وكلفة تحرير العبيد من جانب آخر.
أبقى التاريخ سجل أسود للعبيد - الذين استعبدوا لأنهم خسروا الحرب- مليء بأعمال الصعاليك التخريبة وكل ما يترفع فعله الأحرار، وقد ميز التاريخ بينهم وبين عبيد رضى أو الذين باعهم أهلهم. حيث عبيد الرضى خدموا في البيوت وتم استخدامهم في الرقص والحرف البسيطة وحتى بالتمتع معهم جسديا. هذه المفارقة تجعلنا نرى أن العبيد المروضين هم خطرين أو إرهابيين مجازا.
هذه مقدمة تنفع لأي شيء سوى قراءة الوضع العربي الراهن المنتشي بالثورات العربية. الإ أنها تحليل عميق للترحيب الأمريكي بالثورات العربية وسوف نسلسلها تدحرجا حتى يقع الحجر بالهاوية.
لنقيم معا الحرية شعار كل الثورات العربية هل لها معنى سوى أننا كنا عبيد ونبحث عن سيد أو سادة جدد لنا ونحن مستعدين أن ندفع الثمن؟ هل كنا عبيد رضى أم عبيد إرهابيون؟ هل نطالب بثورة عبيد تميزنا عن غيرنا من العبيد أم أننا لا نطالب أكثر من العدل بيننا وبين ما نقدمه؟ هل نطالب بقتل العبيد المحظيين عند السادة والمساواة بين كل العبيد؟
للإجابة على هذه الأسئلة لابد أن نعرف لماذا نحن عبيد؟ ببساطة لأننا لا نملك غير أنفاسنا أما مابقي فهو مبرمج لخدمة السادة. فمطالبنا أن نملك شيئا مثل باقي العبيد حيث يكتب التاريخ القديم أن العبد لم يفكر يوما بمأكله ومشربه وملبسه ومبيته فهذه الأمور يوفرها السادة. إلا بالتاريخ السحيق حيث كان الاستعباد نتيجة خسارة الحروب وكان لا يزيد عن أسبوع ينتهي بموت العبيد.
بالعودة لمؤسسي النظرية الرأسمالية يقولوا أن نمو المجتمع يعني نمو ثراء الطبقة الغنية أصلا ويصاحبها إرتفاع بمعدل بالبطالة، وحين يختل هذا الميزان لابد التخلص من بعض العمال ليدخلوا خانة البطالة.
وفي موضع آخر أن ظهور الطبقة المتوسطة يشكل تهديد على الأمن القومي والسيطرة عليها لابد من ضبط نمو الطبقة المتوسطة وإلا فإنها ستنافس الطبقة الغنية في السيطرة على القرارات القومية.
ويشرح ماسلو الحاجات الأساسية بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والأمن. وهي كلها بيد الطبقة الغنية لتسيطر على المجتمع، وإذا تذكرنا السادة – في التاريخ – كانوا يوفروا هذه الحاجات للعبيد مقابل عملهم، وإذا تفحصنا واقعنا العربي قبل وبعد الثورات العربية ، فكل منا ينقصه واحدة أو أكثر من هذه الحاجات الأساسية.
أولا قمنا بثورة العبيد النجسة، حيث سيطرت الأنانية على أفعالنا وبدأنا بتمييز أنفسنا وتقديمنا خدمات للسادة تارة وتصنيف أنفسنا عن باقي العبيد تارة أخرى. وهذا لم يحل أزماتنا الجماعية فغلاء الأسعار بقية الطريقة المثلى لسيطرة على المجتمعات، وهو أساس النظرية الرأسمالية بضرورة استمرار رفع الأسعار بشكل دوري وإلا فإن هناك خلل في نظرية الأمن القومي. ولتحايل على هذه النظرية أصبح هناك رغيف بحجم نصف الرغيف العادي بسعر أقل نسبيا وقس على ذلك باقي الحاجات الأساسية مما أدى لقبولنا بأكل فاسد ولباس مستعمل وماء ملوث ومسكن مشترك و حتى أمن أقل في المناطق الفقيرة.
ثانيا تفريغ المادة من جوهرها، فما نسميه طعاما يرفض أغنياء إعطاؤه لكلابهم وما نسميه مسكنا يشمئز الأغنياء من جلوس فيه ساعة واحدة وحتى جامعاتنا فهي فقط للدول الفقيرة وأي مميز يتم إلتقاطه وربطه ليصبح عبدا مدللا في خدمة السادة. وخير مثال على ذلك حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل وحلمهم أن يصبحوا عبيدا مدللين في ماكينة الامبريالية العالمية.
ثالثا ترويض لا تدجين، ما يطرحه السادة هو ترويض لنا ولا يمكن أن يصل لدرجة تدجين. رغم كل ضعفنا فنحن إرهابيون بالجملة فنحن مكمن خطر والثقة بنا معدومة لذا لابد أن يكون طموحنا داخل هذا الإطار. إن محاولة تلميع صورتنا لنصل لدرجة عبيد مدللين خاطئة فالسادة تفضل تدجين ما هو مستئنس مثل الهندي والصيني أما نحن لا يجب أن نطمح بأكثر بالمساواة بين بعضنا البعض.
رابعا حدود الأمن القومي، لابد أن نعرف أننا لا نملك مواردنا ولا بلادنا بل هي الحظيرة القذرة التي نعمل فيها لخدمة السادة، فلا بد أن تبقى مديونة مسلوبة الهيبة مأسورة ملوثة وجائعة وتملأها الأمراض
خامسا تفكيك الفكري، أن كان الإسلام السياسي حلا مقبولا من قبل العبيد فهو قناعة لدى السادة يروجوا له بالدرجة التي يروجوا فكرة العبد الإرهابي.
قد يقول البعض أنها فكرة سوداوية ونظرة لسلبية لحلم راودنا وهو تغيير الوضع العربي، إلا أنني انتظرت طويلا ولم يعد للانتظار معنى ، قيادات العبيد الجدد تطالب برضى السادة وحلول مشاكلنا مربوط بتقبيل أيدي السادة ليمنحونا قرضا ماليا وهي نفس أفكار العبيد في التاريخ القديم، حيث العوض المالي يكون مقابل خدمات وأعمال تقدمها طبقة العبيد لطبقة السادة وأول هذه الخدمات هي الطاعة وتطبيق ما يطلب منها كعبيد ، قد تتميز مجموعة منا وتصبح محظية لدا السادة وسيكون هذا على حساب عبيد آخرين. أتذكر قول مسرحي إسرائيلي يخاطب شاب عربي لماذا تريد أن تغير إسرائيل ؟ غير بلدك فكر بنفسك ؟ وها نحن نسمع أخبار عبيد يقتلون عبيد والهالك هو حرية العبيد. ليس عيبا أن يدنس المسجد الأقصى وكل دعاؤكم بصلاة الجمعة لقتل عربي إرهابي عبد مثلكم أم أصبح ممنوع الدعاء لنصرة الأقصى. ليس غريبا أن كلفة أي من ثورات العربية قادر على تعزيز صمود المرابطين بالقدس الشريف. من يمول ثوراتنا لا يملك الإرادة لتمويل أي شيء يخص القدس، وكما قالها محمود درويش أين المفر مني ؟ نعم أين المفر من مشكلتنا الحقيقية وهي ارتماء بأحضان السادة.
من يتذكر غضب السادة فليتذكر يريدوني طريدا أو أسيرا أو قتيلا وأقول لهم شهيدا شهيدا شهيدا. أن كان الكلام في الاتجاه المعاكس فهو سير عكس التيار لنحقق حلمنا بالتغيير.
أن كان وصفنا عبيدا إرهابيون قبل أسامة بن لادن بمائة عام هل لك أن تجد وصفا غيره لنا. وإن كان الرئيس السابق حسني مبارك أمريكي بامتياز وبعصره تجسد كل مفهوم العبودية، إذن ماذا ننتظر؟ رئيسا أكثر خنوعا منه أم أن نبحث عن سيد آخر؟
أن ترفض مفهوم العبد المروض وتحلم بالحرية أقول الحرية بارود حرب تفرض على العالم تغيير. الحرية أن تملك قناة السويس أو بترول ليبيا لا أن تصبح عبدا ينفذ ما يطلبه السادة من يدخل القناة من يدفع أو لا يدفع وأين تذهب الأموال وقس على هذا المثال باقي موارد السادة في حظائرنا القذرة.
القلة القليلة من العبيد المروضين يقبلوا مفهوم أنهم مروضون قسرا، والغالبية العظمى ترى أننا مجرد شعوب تحكمها طبقة فاسدة. وأقول هل تم استئصالها هل تم تغييرها هل حلت مشاكلنا؟
الخطة من السادة تسير بالطريق المرسوم، فصب اللوم على حكام العبيد لا على السادة منهاج مكافيلي قديم، فالسادة يظهروا كمنقذ ولا يمكن أن يقعوا في هاوية الملامة. وهو ما يدرس في علم السياسة تحت مصطلح فساد الطبقة الحاكمة بتجاهل ما الذي أفسدها. فقد يغض البصر عن فساد طبقة حاكمة توفر للعبيد الحد الأدنى من الحاجات الأساسية، وقد نجد محررا حقيقيا للعبيد لا يغفر له هفوة واحدة.
والحديث عن الحل الجديد القديم الإسلام السياسي، لابد أن نلحظ مسائل جوهرية وهي قلة الإيمان سمة المجتمع العربي وأهمها الانتحار الذي أصبح آفة في البلدان العربية وأقل أهمية منها أن أكثر ما يتحدث به الشباب العربي وهو السينما الأمريكية، ثم تفضيل المنتج المستورد على المحلي، والمضحك أننا نملك شركات تسويق أربع أضعاف شركات انتاج ، وهو دليل تسويقنا لمنتجات مستوردة. وغياب الوعي الحقيقي بمعنى أمة تريد أن تنهض ، وما يشكل طامة باستخدام بطاقات الائتمان حيث أن كل معاملاتنا بالدين الربوي. وكل ما تطرحه الأحزاب السياسية الحالية هو ضمن منهاج العبد والسيد الممثل بالنظرية الرأسمالية ولا يملك أي حزب سياسي برنامج عمل مقنع وفوزهم جاء نتيجة النقمة على الآخرين ، وهي طريقة العبيد المجازفة بالحلم بالتغيير.
كلمة أخيرة، الثورة قد تعني هيجان ثور غاضب ممكن أن يهدئه السادة بأقل الخسائر وممكن أن تعني تحليق طائر الفينيق المتمرد من تحت الرماد البارد. فاختر وصفا مناسبا لحالنا العربي.

بقلم العبد المكبل خالد أبوعدنان

ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment