مقال بعنوان : عاشقان من غزة
تفتحت أعينهما على الدنيا في ذات الشهر. ولدا بمخيم للاجئين في مدينة غزة، كانا دائما يتسابقان بالعلم من منهما اشطر بالرياضيات واقوى بتذكر الكيمياء وكثيرا ما اختلفا بتفسير معاني الشعر العربي وخصوصا المتنبي. لم يكن الا الحب العذري بينهما وكانا يصران ان اصوله تعود الي مدينة عسقلان فهو لبني عذرة وقد استقر عدد من شعرائهم في عسقلان هربا من اهالي محبوباتهم. وكانا أيضا يشعران بشيء من الحزن ان الجميع يتذكر نكبة 48 ونكسة 67 بينما يعتبرون تهجيرهم من عسقلان 1956 نصرا على العدوان الثلاثي؟
تتابع الاحداث الاعتيادية حتى اجتياز امتحان الثانوية العامة - التوجيهي - التي حققا بها نتائج عالية فقبلت هي بكلية التمريض في غزة اما هو فقد حصلة على بعثة لدراسة الهندسة بالخارج. وكان لحظات الوداع قاسية بينهما الا انه اصر على طلب يدها بدون خطبة وافق الاهل لمعرفتهما بحميمية العلاقة بينهما. ولعل فترة الاغتراب علمته انها هي الاجمل بحنانها وتواصلها الدائم وكانهخيالاته الثاني. كان لها الصديق والاخ الذي يصبر على نكدها ويفرح لها وكان يقول لها بدراسة مخك شغال وبشعلات تانية تافهة. وهي تقول له انه ليس رومانسيا، وهو يقول: اكيد احنا فش عنا هيك شغلات. وبقية قصتهم تتراكم لتكون مفاهيم مشتركة لاسرة المستقبل وبيت الغد لهم. تخرجا بامتياز وكان تخرجهما بنفس الشهر. عاد لغزة فرحا بالهندسة ـ رغم اصرار اصدقائه ان يبحث على عمل بالجامعة ـ وفرحا بخطيبته الممرضة. طلب من والده ان يزوجه اياها فقال له: لو عندي فلوس لجوزتكم، روح لابن عمك بالخليج اشتغل كم سنة وجوز نفسك بنفسك. حاول البحث على عمل بغزة فلم يجد اي شيء اما هي فقبلت لتعمل وتتدرب بمستشفى بغزة. شعر بغبطة وقال لها انا ذاهب للخليج فقالت له هيك قررت لحالك وانا شو اعمل بحالي والله امي قالت لي اللي بدرس بره بشتغل بره وطول عمره بعيش بره لانه احنا محاصرين. تناقشا كثيرا ودموعهما تشابك لان ظروفهما انهما من بلد محتل ومحاصر لا عمل فيه حتى للمتفوقين. كان الوداع الثاني، واصرت قائلة: سنة وحدة بس وقال لعا: سنة . وتركا كل شيء لظروف فاذا فك الحصار يجب ان يستقرا في غزة اما اذا استمر الحصار سيحاول ان يجد عمل في غزة وان لم يستطع فستذهب معه على الخليج بشرط ان يعودا عند اول خبر عن فك الحصار. وتستمر الحياة رغم الاغتراب وهي تجمع القليل وهو الكثير بسياسة تقشفية لجمع كل ما يلزم للعرس وما بعد العرس. في هذه الغربة كانت تفاصيل مكالماتهما الهاتفية اكثر حميمية وكانا مشتاقين ليشكلا أسرة فلسطينية عادية وكل شيء بعدها يهون وكل ما تسأله بدك ولد والا بنت؟ طيب شو اسم اول ولد؟ طيب لاتشتري بدلتك من عندك بننزل نختار مع بعض؟ لهذه الاسئلة وأكثر كان عنده جواب واحد لما الله يريد كل شيء بصير.
انتهى عقده باول تموز ـ يوليو ـ وبدأ بترتياب العودة وهي ايضا انهت عملها في نفس الشهر لولا ظروف العدوان على غزة فبقيت تعمل ولكن تطوعيا هذه المرة واتصلت به وقالت لا تأتي الآن الموت في كل مكان ومافي لامعابر ولا انفاق فاغلق الهاتف ولم يتكلم حاولت الاتصال كثيرا لكن الرقم دائما مغلق. تفاجئت به في بيت اهلها وقالت كيف دخلت؟ فأجاب من الباب؟ عمري فت بيتكم الا من الباب؟ فقالت له قصدي على غزة؟ فقال لها اسمعي بدي افطر عند امي بس بعد صلاة التراويح بجيب اهلي وبنسهر مع بعض؟ قال له انت مجنون لا تتحرك بالليل في رصاص بفوت من فتحة المفتاح. قال لها ما بشيل الرأس الا اللي ركبها بشوفك بعد التراويح، امسكت ذراعه: من ايمتى بتصلي بالمسجد على اساس كلها سياسة وما فيها دين؟ بعدين لسه بكير على الفطور اقعد نتحدث شوي. فقال لها مودعا : عمري ما رح اشبع منك بس لسه امي ما عرفت اني وصلت وهاي عادات خلص بشوفك المسا سلام. فتح الباب ليخرج اسقطته رصاصة من قناص، هرعت تسعفه حاولت ان تسحبه الا ان القناص لم يترك الجثة الا بست رصاصات. بقي امامها طوال الليل دونما ان تقدر من سحبه. صباخا جاءت سيارة الاسعاف ووضعوه بالثلاجة، وهي ذهبت لعملها تطوعي بالمستشفى وتزوره كل ساعة تؤنسه بالقرآن. دفنوه وأقاموا له العزاء وهي اخرستها الصدمة تعمل وتقرأ دعاءها: يارب دخله الجنة ويكون إلي من غير كل الناس. يوم العيد سمح لها زيارة قبره لحظات لكنها اصرت ان تزوره اثناء القصف يوم الجمعة التي تلت العيد ذهبت وقالت لاهلها كان لازم اليوم عرسي وكان بدو اياني ألبسه ثوب عسقلان اللي تطرزته. ذهبت بحذر تسرع وتبطئ وتنظر أماكن القناصين. وصلت إلي قبره وضعت وردة وحفنة من تراب عسقلان فوق قبره وقالت له: حبيبي، هذه كل أشيائي التي تحبها: وردة انا زارعيتها والتراب هدية من صديقة بالصليب الاحمر وهيني لابسة الثوب اللي بتحبه؛ بدي اقرأ لك سورة الاسراء اللي بتقول عنها عروس القرٱن، فتحت المصحف وتلت: سبحان الذي.. وإذ برصاصة قناص تسقطها فوق القبر ؛ لتموت معه في الشهر نفسه، كما كان كل شيء بحياتهما في الشهر نفسه
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
تفتحت أعينهما على الدنيا في ذات الشهر. ولدا بمخيم للاجئين في مدينة غزة، كانا دائما يتسابقان بالعلم من منهما اشطر بالرياضيات واقوى بتذكر الكيمياء وكثيرا ما اختلفا بتفسير معاني الشعر العربي وخصوصا المتنبي. لم يكن الا الحب العذري بينهما وكانا يصران ان اصوله تعود الي مدينة عسقلان فهو لبني عذرة وقد استقر عدد من شعرائهم في عسقلان هربا من اهالي محبوباتهم. وكانا أيضا يشعران بشيء من الحزن ان الجميع يتذكر نكبة 48 ونكسة 67 بينما يعتبرون تهجيرهم من عسقلان 1956 نصرا على العدوان الثلاثي؟
تتابع الاحداث الاعتيادية حتى اجتياز امتحان الثانوية العامة - التوجيهي - التي حققا بها نتائج عالية فقبلت هي بكلية التمريض في غزة اما هو فقد حصلة على بعثة لدراسة الهندسة بالخارج. وكان لحظات الوداع قاسية بينهما الا انه اصر على طلب يدها بدون خطبة وافق الاهل لمعرفتهما بحميمية العلاقة بينهما. ولعل فترة الاغتراب علمته انها هي الاجمل بحنانها وتواصلها الدائم وكانهخيالاته الثاني. كان لها الصديق والاخ الذي يصبر على نكدها ويفرح لها وكان يقول لها بدراسة مخك شغال وبشعلات تانية تافهة. وهي تقول له انه ليس رومانسيا، وهو يقول: اكيد احنا فش عنا هيك شغلات. وبقية قصتهم تتراكم لتكون مفاهيم مشتركة لاسرة المستقبل وبيت الغد لهم. تخرجا بامتياز وكان تخرجهما بنفس الشهر. عاد لغزة فرحا بالهندسة ـ رغم اصرار اصدقائه ان يبحث على عمل بالجامعة ـ وفرحا بخطيبته الممرضة. طلب من والده ان يزوجه اياها فقال له: لو عندي فلوس لجوزتكم، روح لابن عمك بالخليج اشتغل كم سنة وجوز نفسك بنفسك. حاول البحث على عمل بغزة فلم يجد اي شيء اما هي فقبلت لتعمل وتتدرب بمستشفى بغزة. شعر بغبطة وقال لها انا ذاهب للخليج فقالت له هيك قررت لحالك وانا شو اعمل بحالي والله امي قالت لي اللي بدرس بره بشتغل بره وطول عمره بعيش بره لانه احنا محاصرين. تناقشا كثيرا ودموعهما تشابك لان ظروفهما انهما من بلد محتل ومحاصر لا عمل فيه حتى للمتفوقين. كان الوداع الثاني، واصرت قائلة: سنة وحدة بس وقال لعا: سنة . وتركا كل شيء لظروف فاذا فك الحصار يجب ان يستقرا في غزة اما اذا استمر الحصار سيحاول ان يجد عمل في غزة وان لم يستطع فستذهب معه على الخليج بشرط ان يعودا عند اول خبر عن فك الحصار. وتستمر الحياة رغم الاغتراب وهي تجمع القليل وهو الكثير بسياسة تقشفية لجمع كل ما يلزم للعرس وما بعد العرس. في هذه الغربة كانت تفاصيل مكالماتهما الهاتفية اكثر حميمية وكانا مشتاقين ليشكلا أسرة فلسطينية عادية وكل شيء بعدها يهون وكل ما تسأله بدك ولد والا بنت؟ طيب شو اسم اول ولد؟ طيب لاتشتري بدلتك من عندك بننزل نختار مع بعض؟ لهذه الاسئلة وأكثر كان عنده جواب واحد لما الله يريد كل شيء بصير.
انتهى عقده باول تموز ـ يوليو ـ وبدأ بترتياب العودة وهي ايضا انهت عملها في نفس الشهر لولا ظروف العدوان على غزة فبقيت تعمل ولكن تطوعيا هذه المرة واتصلت به وقالت لا تأتي الآن الموت في كل مكان ومافي لامعابر ولا انفاق فاغلق الهاتف ولم يتكلم حاولت الاتصال كثيرا لكن الرقم دائما مغلق. تفاجئت به في بيت اهلها وقالت كيف دخلت؟ فأجاب من الباب؟ عمري فت بيتكم الا من الباب؟ فقالت له قصدي على غزة؟ فقال لها اسمعي بدي افطر عند امي بس بعد صلاة التراويح بجيب اهلي وبنسهر مع بعض؟ قال له انت مجنون لا تتحرك بالليل في رصاص بفوت من فتحة المفتاح. قال لها ما بشيل الرأس الا اللي ركبها بشوفك بعد التراويح، امسكت ذراعه: من ايمتى بتصلي بالمسجد على اساس كلها سياسة وما فيها دين؟ بعدين لسه بكير على الفطور اقعد نتحدث شوي. فقال لها مودعا : عمري ما رح اشبع منك بس لسه امي ما عرفت اني وصلت وهاي عادات خلص بشوفك المسا سلام. فتح الباب ليخرج اسقطته رصاصة من قناص، هرعت تسعفه حاولت ان تسحبه الا ان القناص لم يترك الجثة الا بست رصاصات. بقي امامها طوال الليل دونما ان تقدر من سحبه. صباخا جاءت سيارة الاسعاف ووضعوه بالثلاجة، وهي ذهبت لعملها تطوعي بالمستشفى وتزوره كل ساعة تؤنسه بالقرآن. دفنوه وأقاموا له العزاء وهي اخرستها الصدمة تعمل وتقرأ دعاءها: يارب دخله الجنة ويكون إلي من غير كل الناس. يوم العيد سمح لها زيارة قبره لحظات لكنها اصرت ان تزوره اثناء القصف يوم الجمعة التي تلت العيد ذهبت وقالت لاهلها كان لازم اليوم عرسي وكان بدو اياني ألبسه ثوب عسقلان اللي تطرزته. ذهبت بحذر تسرع وتبطئ وتنظر أماكن القناصين. وصلت إلي قبره وضعت وردة وحفنة من تراب عسقلان فوق قبره وقالت له: حبيبي، هذه كل أشيائي التي تحبها: وردة انا زارعيتها والتراب هدية من صديقة بالصليب الاحمر وهيني لابسة الثوب اللي بتحبه؛ بدي اقرأ لك سورة الاسراء اللي بتقول عنها عروس القرٱن، فتحت المصحف وتلت: سبحان الذي.. وإذ برصاصة قناص تسقطها فوق القبر ؛ لتموت معه في الشهر نفسه، كما كان كل شيء بحياتهما في الشهر نفسه
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
No comments:
Post a Comment