Friday, 13 March 2015

الجغرافيا الوطنية الفلسطينية

مقال بعنوان : الجغرافيا الوطنية الفلسطينية
انطلقت الثورة الفلسطينية بعيدا عن جفرافيا الوطن واستوطنت في وجدان المناضل الفلسطيني لترافقه في كل أماكن تواجده ، ابتداءا من غرف العزل الانفرادي في سجون العدو الصهيوني مرورا بتركيبات الوطن ( أرض الضفة الغربية وقطاع غزة ومنطقة القدس وأرض 48 وأرض المخيمات الفلسطينية ) وبلاد الاغتراب ومستقرات المهاجر لكل مناضل فلسطيني ، في عملية نضالية تكاملية مكونها المركزي الكفاح من أجل تحرير الوطن ودعم استمرار الثورة ، فتشكلت الكينونة الثورية الفلسطينية في حضن القومية العربية والأممية الشعبية الثورية رافعة شعارات إنسانية كبرى وهي الحرية والمساواة والعدالة لتحقيق النصر الوطني ، كبداية منطقية للمساهمة في بناء الوحدة العربية والتفاعل مع الأممية الشعبية الثورية في العالم قاطبة .
ومن هنا كان إعلان الثورة أنها حركة تحرر وطني دون تعصب قطري يلغي المهام القومية المطلوبة من فلسطين ، لكن يتم تأجيلها إلي ما بعد عملية تحرير الوطن من الاحتلال ، وهي تتفاعل مع هموم الثوار في كل العالم وتطالبهم بدعم الثورة الفلسطينية وأهدافها لإنها جزء من الأممية الشعبية الثورية ، إلا ان هذا النهج خلط بين الوطنية القطرية والوطنية الثورية عند من حاول تشويه صورة الثورة خصوصا من أصدقائها العرب والأممين . ويمكن اختصار شرحنا للمفهومين كما يلي :-
الوطنية القطرية : هي معيار تبادلي بين الولاء لمقومات الوطن والانتماء النفعي للمواطنين ، وهذا المعيار يتصاعد في زمن الحروب والكوراث حيث أن الحاجة التصعيدية لغريزة البقاء تدفع المواطنين لفداء مقومات الوطن بأرواحهم وفي نفس الوقت يتم تقديس الانتماء الشعبي وتصبح الطبقة الحاكمة بحماية المواطنين بتصور مقلوب للولاء حتى يتم تعديله بإعلان أن الوطن يعيش حرا ومستقلا ، وبعدها تبدأ  فترة فتور الوطنية وتتصاعد العصبيات الطائفية والحزبية . وهذا النضال يصنف داخلي قطري ليس له امتداد أممي أو قومي .
أما الوطنية الثورية : فهي تختلف عن وطنية البلاد التي تعيش حالة حرب ، لأن البلاد كلها محتلة ولا يوجد جيش أو مؤسسات حكم  - وإن وجدت فهي صورية غير قادرة على حماية المجتمع  - لذا فإن الولاء للثورة هو ولاء لفكرة التحرر من الاحتلال ، وبهذا يصبح الانتماء الوطني هو مجموع المتضررين من الاحتلال ومتضامنين مع فكرة الثورة ، وهي تشمل أبناء الثورة وأنصار الثورة وجماهير الثورة وباقي الفئات الشعبية السلبية التي لا ترى أن ممارسة الثورة تتطابق مع مفهومهم لفكرة الثورة إلا أن هذه الفئات تبقى متضررة من الاحتلال فهي جزء من القوى الرافضه له وبالتالي تحسب كجزء من مجال الثورة الحيوي . إذن فالوطنية الثورية هي عملية نضالية تكافح من خلالها الثورة ضد الظلم الشامل بمكوناته الثلاث ظلم سلب الأرض وتشريد الشعب وظلم التمييز العنصري ونهب الحقوق الخاصة والعامة وظلم سلب السيادة السياسية للوطن والحقوق المدنية للمواطنين .
ولا يكون شرح الوطنية الثورية وافيا إلا بربطها بالجغرافيا الواقعية ، لإخراج الثورة من خيال الحلم المثالي وإسقاطها على المصلحة النفعية التبادلية بين الثورة والثوار في الحتمية الواقعية لتحرير أرض الوطن ودحر الاحتلال . الجفرافيا مهمة لتحديد ما هو حدود الوطن المطلوب تحريره من الاحتلال ؟ وما هو الوطن المطلوب تفكيكه مثل مخيمات اللجوء بعد التحرير ؟ وما هو وطن الثورة ؟ وغيرها من التركيبات المحددة للفكر الأممي الشعبي في الثورة الفلسطينية .
ولقد ساهم العديد من الفلاسفة والمفكرين بشرح الجغرافيا وارتباطها بالوطنية الثورية ونذكر منها تعريف أبقراط للجغرافيا بأنها الماء والهواء والأماكن ، ويقول هيرودوتس : إن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها ، إلا أن أرسطو شرح السياسة على أنها العلاقة بين المناخ والحرية ، واستكمل الصورة ابن خلدون بأن قال : أن  دورة الحضارة مرتبطة بصراع البداوة ( الصحراء ) مع الحضارة ( مراكز الزراعة والصناعة ) ، ثم نقد ماركس مراكز الثورة ( وهي نفسها مراكز الحضارة عند ابن خلدون ) نقدا بناءا فستنتج  أن العمال أكثر تقبلا للتغيير والأفكار الثورية من الفلاحين دون أن يقلل من أهمية دور الفلاحين في عملية التغيير أو الفعل الثوري . ومن هنا تكون الترابطية أزلية بين الجغرافيا والوطنية الثورية  في أنها نضال كفاحي بمركب ثنائي وطن وجغرافيا ، فلا يكفي تحرير الجغرافيا بدون تحرير الوطن فهو انتقال من احتلال إلي احتلال جديد ، ولا يعني إعلان استقلال الوطن دون تحرير جغرافيا الوطن إلا خطوة سياسية قد تغير المستقبل دون أن تغير واقع الاحتلال المعاش .
من جانب آخر عرّف هيجيل الديلاكتيك بأنه دراسة علم ونقيضه مما سينتج علوم جديدة تكون مستقبل العلوم ، وفي دراستنا للعلاقة بين الوطنية الثورية والجغرافيا تبين لنا أن هناك علوم كثيرة نتجت عن تفاعلاتهما وهنا نستعرض الحدود القصوى لتناقض هذا التفاعل وهما جغرافيا الجوع والمجال الحيوي ، ويمكن تعريفهما كما يلي :-
جغرافيا الجوع ( خوسيه دي كاسترو) : وهو العلم المختص بدراسة البعد الاجتماعي والنفسي لمشكلات التخلف الاقتصادي والفقر من خلال دراسة تأثيرها على مفهوم الملكية الفردية والملكية العامة ومن جانب آخر أثر السلوك الاجتماعي والنفسي بعد التغيرات البيئية مثل الكوارث الطبيعية والحروب وكذلك مراجعة الميراث المجتمعي وتبيان أن الشعوب التي تتعرض لكوارث متتابعة تتشكل لها تجربة تفيدها بالتأقلم مع أي كوارث قد تحدث مستقبلا ، كما أنها تتغلب على السلوك الاجتماعي السلبي وتبني توافقية منفعية بين التكافل الاجتماعي والتضامن النفسي أثناء حدوث الكوارث على أقل تقدير . وأهم توصيات هذا العلم هو ضرورة ربط التنمية الاقتصادية بالنمو الاجتماعي وتحفيز الروابط الاجتماعية كجزء ضروري لتخلص من مشكلات التخلف الاقتصادي ، أي أن الوطنية تتقلص بعدمية نفعية الجغرافيا .
المجال الحيوي (فردريك راتزل ) : أن الدولة عبارة  كائن حي بحاجة رقعة جغرافية لتبقى حية إلا أن لها مجال حيوي أكبر من حيزها الجغرافي فهي بحاجة لتنمو وتتوسع ، وهي النظرية الاقتصادية التي طورها الألمان في بداية حكم هتلر ،  الذي اعتبر أوروبا المجال الحيوي لألمانيا ، وأيضا حزب العمل الإسرائيلي الذي اعتبر تأسيس الدولة في 1948 بحاجة لتحديد مجالها الحيوي من النيل إلي الفرات ، وفي كلتا الحالتين تم طرح مفهوم الحدود الآمنة والشريط الحدودي والحزام الواقي وهي كلها جزيئات المجال الحيوي للدولة . أي أن الوطنية تستعر بالتوسع الجغرافي .
ومن هنا نصل لخلاصة أن هناك علاقة طردية بين الجغرافيا والوطنية الثورية  وهما مكونان الأساس لأي ثورة حقيقية ضد الاحتلال ، فكثيرة هي الشعوب التي أزالت الاستعمار عن أراضيها لكنها عادت بعد الاستقلال لتبعية الدول الاستعمارية وأيضا هناك شعوب لم يتم احتلال أراضيها إلا أنها تعيش ظروف أصعب من وضعية الاحتلال الاستعماري . إن الخصوصية الفلسطينية أنها تناضل ضمن مفهوم الجغرافيا الوطنية حيث تثور الجغرافيا على مكوناتها وتتوزع الوطنية على أماكن سكن الفلسيطنيين ، مما أنتج ثورة متلونة بتضاريس الثوار وأفرز أساليب ثورية متناقضة لكنها متكاملة ، فماهو نضال يومي في الناصرة يعد قمة التحدي في مخيم عين الحلوة مثلا ، وماهو حلم لمناضل من غزة قد يكون قمة اليأس عند مناضل يسكن بالقدس ، وبنفس الطريقة تجد أن النضال السلمي مفيد بمدينة ما بقدر ما يفيد العمل العسكري بنفس المدينة  لكن باختلاف الرؤية الثورية لتفسير كلمة مفيد لتحقيق أهداف الثورة .
إن الوطنية الثورية أعمق نضاليا من الوطن المكافح وجغرافيا الثورة أوسع من أرض الوطن ، فمن كان قدرهم أنهم في الوطن أو في مخيمات اللجوء أو الشتات يتساوون بالوطنية الثورية ، وإن انتصارات الثورة لا تنحصر على أرض الوطن – رغم أهمية العمل بالوطن – لكنها ممتدة على حدود جغرافيا الثورة في خصوصية الجغرافيا الوطنية الفلسطينية التي تتكامل تلقائيا ، فهدف الثورة موافق للغريزة وتعاضد بين ثوار فلسطين أمر فطري .
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment