مقال بعنوان : الأخ أبومازن وقانون
المثلثات
الأخ أبومازن الرئيس الفلسطيني المنتخب كما يصفه ألد خصومه وكذلك أعز مواليه ؛ فهو الثابت فوق الرمال المتحركة في الحراك الفلسطيني الداخلي ، وهو رجل فلسطين الرسمي في التعاملات الدولية مع الشعب الفلسطيني ، أتجرأ لأكتب قراءة نقدية عن الرئيس ، ومن يتوقع أن أشتم أو أخون فلا داعي أن يكمل قراءة هذا المقال ، فهدفي أسمى من التجريح أو التقبيح بل هو نقد بناء يرمي لتقديم مقترحات لتصويب مسار السياسة الفلسطينية العليا.
تتجمع بيد الرئاسة الفلسطينية مفاتيح السيطرة الخمسة على الوضع الداخلي الفلسطيني و التي تشمل على الأمن و المالية و قرار حركة فتح و قرار منظمة التحرير الفلسطينية و القرار السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية . وفي هذا يكون الأخ أبومازن رئيس عربي بامتياز يمتلك السلطات كافة بغياب المجلس التشريعي و انحسار السلطة القضائية بالأحوال المدنية دون قضايا الرأي العام ، التي تشكل لها اللجان بناء على توصياته. كما أن سلطته الرئاسية تجعل مكتب التنسيق الأمني والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية بما فيها المفاوضات جزء من مسؤوليته وتحت توجيهه المباشر . وأما بعلاقاته العربية التي فرزت كل من السعودية و مصر و الأردن كمحو أساسي لابد أن يستشار بكل كبيرة و صغيرة بينما تأتي باقي الدول العربية والإسلامية في مرتبة المتضامن لمحوه أو الرافض له . مما يجعله ضمن المحور الأمريكي البريطاني بالمنطقة مع الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا و الصين و دول الإتحاد الأوروبي .
هذا هو الأخ أبومازن دون التقليل من الجهد الذي يقوم به ، الا أن شعبيته ضعيفة وجماهيريته غير مؤثرة بسبب التغيير الجذري الذي أحدثه على مؤسسة الرئاسة فهو لا يمكن أن يكون خليفة للشهيد الرمز أبوعمار لأسباب تتعلق باختلاف التحالفات و انتهاح سياسة واقعية جافة من العواطف ، لكن هذه السياسات هي التي تجعل منه الأفضل من قبل مريديه.
وفي البداية نناقش القضية المركزية وهي ليبرالية الثورة : فمنذ تسلم الأخ الرئيس منصبه ؛ قام بتقليص الدور المباشر لحركة فتح مقابل توسيع الجهد الشعبي والمنظمات الغير حكومية ، وأصبحت مشاركة فتح عبر أعضاؤها لا عبر قيامها بالفعاليات كاملة ، مما جعل انتفاضة الأقصى تنتهي فتحاويا ولكن دون أن تنتهي شعبيا في نقلة من إطار مركزية الفعاليات إلي خصخصتها يين المنظمات الغير حكومية واللجان الشعبية ، مما قلل من زخمها الميداني و رفع من قدرتها الإعلامية ، لكن على حساب حركة فتح التي أصبحت توصف أنها مهادنة ، وأن المنظمات الغير حكومية هي من يناضل ، وهي الناطق الإعلامي و المسؤول عن الفعاليات بل أنها تستحق التمويل والدعم السياسي و مساحات واسعة على الإعلام الدولي و العربي . الا أن هذا نهجت بطريقه للتغيير لا بسبب سياسات جديدة للرئيس و لا تحول بطريقة عمل حركة فتح ، ولكن للرفض الشعبي لمجمل أفكار المنظمات الغير حكومية ابتداء من طرحها قضايا التعايش السلمي مع الإسرائيليين المعتدليين و مرورا بتخوين أبناء حركة فتح و وصفهم بعملاء الاحتلال ، ومن تجربة شعبية واسعة أصبح هناك وعي حزئي لولا حماية الرئيس لهذه المنظمات و تقديم لها الدعم اللوجستي لاستمرار عملها ، ضمن قانون المثلثات الأول الرئيس يفاوض والقوى الشعبية تقاوم وفتح تساند .
وفي ملف ثاني هو الملف الأمني ، بما يحمله من أفكار دايتون التي ترفع مستوى التنسيق الأمني لدرجة تجاوزت التسيق الأمني بين أي كيانين في العالم ؛ فهو مماثل للاتفاقية الاقتصادية التي تحكم بالتبعية الكاملة للسياسات الإسرائيلة ، وتشرع التدخلات الإسرائيلة بكل جوانب الحياة الفلسطينية ، و هذا يعني أن التنسيق مع إسرائيل تجاوز المؤسسة الرسمية الممثلة بمكتب الارتباط و التنسيق ليصل لكل مسؤول فلسطيني و أحيانا كل مطلوب أمني مما نسف هيبة الأجهزة الامنية كحامية للمجتمع الفلسطيني و قلص دورها لصفة المراقب و المتابع ، يضاف لها منع حركة حماس من القيام بأي نشاط يوازي حجمها بالضفة الغربية، و تحجيم كل رأي مخالف و تقزيم العمل السياسي الحزبي ، و من جانب آخر فتح المجال للإعلام السياسي المضاد و التغني بالإعلام الحر ، مما غير المتجهات الإعلامية لترويج لفكر حزب التحرير دون باقي الحركات الدينية، و توسيع التنسيق بين الأحزاب الفلسطينية و الأردنية على حساب الأحزاب اللبنانية و السورية و الأحزاب العربية في اسرائيل ، مما جعلنا نصل الي قانون المثلثات الثاني الرئيس فوق المحاسبة و الفصائل تحاسب ضمن قانون جنائي و النضال الحزبي مقتصر على الإعلام والبحوث!!!
أما الموضوع المالي ، فهو غريب عجيب في قانون الرئاسة ، فمن ناحية الحصول على الأموال فقد رفضت الرئاسة نظام السلال المالية المتذبذة و قبلت مفهوم الرعاية الأمريكية و الدول المانحة ، بعيدا عن مخصصات منظمة التحرير الفلسطينية من الدول العربية التي تربط القرار المالي بالسياسي ، الا أن الدول المانحة تعاملت بنفس المفهوم و لكن بشكل أكثر مرونة . أما بخصوص صرف الأموال فإن مؤسسة الرئاسة قلصت حجم تمويل أمور كانت أساسية عند الشهيد عرفات مثل مصاريف الكوادر الحركية و الصحة و التعليم ، بل أن معظم هذه الأموال صارت تحول لمؤسسات بعيدا عن مكتب الرئاسة تتعامل مع الناس بمبدأ بيروقراطي لا يعجب الكثيرين ؛ كما أن التوجه العام أن أيام الشهيد عرفات كان هناك أشخاص فاسدين ، أما الآن فهناك مؤسسات فاسدة ومحمية قانونا . وهذا قانون المثلثات الثالث الرئيس يقرر الصرف والتمويل والمؤسسات المالية تصرف بهوائية الضوابط وغوغائية التعامل مع احتياجات الناس دون مراعاة لمشاعر أو إحساس بالمسؤولية بالمقابل فان اللائمة الشعبية منصبة على الرئيس لا على المؤسسات الفاسدة.
في محور آخر مهم يخص القرار الفتحاوي ؛ حيث أن الرئيس هو رئيس حركة فتح في منصب يتجاوز أمانة السر و تحت قرار اللجنة المركزية في توليفة المسؤولية مع السيطرة على القرار الفتحاوي ، ومهما قيل عن حركة فتح و أطرها العليا ، تبقى شفافة و واضحة للجميع ضمن علانية أسماء قياداتها و دورية إجتماعاتها ، وهو من أهم إنجازات الأخ أبومازن على الصعيد الفتحاوي ، الا أن هذا الانجاز أصبح باهت ، حيث أن الاجتماعات على كثرتها لا تقوم بحل المشكلات المتراكمة في الأطر الحركية ، كما أن الصفات والألقاب لا تعني شيء فهناك جماعة محظية داخل الحركة تحظى بكل الامتيازات و هي لا تلتزم بالنظام الداخلي ، ومنزهة من المحاسبة ؛ في المقابل هناك قيادات بأطر عليا ليس لها صلاحيات و مخصصاتها المالية محدودة ، ضمن مفهوم حسم الصراعات الداخلية و تحجيم كل المعارضين لسياسات الأخ أبومازن ، و هذا قانون المثلثات الرابع : الرئيس يمثل رأي الأغلبية الفتحاوية ، والمناصب والالقاب لا تعني أي نفوذ بعيدا عن الرئيس منعا لتشكيل مراكز قوى مع منح مناصب جديدة {ذات صلاحيات وموازنات تفوق ما يمنح للقيادة المنتخبة } لذوي الرتب الأدنى أو لمن سقطوا في انتخابات المؤتمر الحركي العام السادس .
وفي محور منظمة التحرير الفلسطينية التي يترأسها الأخ أبومازن فقد تم تقليص حجمها و فعل مؤسساتها عن طريق خفض مستواها الشعبي عن طريق تحويلها لمؤسسات تابعة لسلطة الوطنية مما أضعف من قدرتها النضالية وكفاءتها التنظيمية و جمد هيكلها وحد من الديموقراطية فيها وهذا عن طريق تخفيض مخصصاتها المالية والحاقها بمؤسسات السلطة التي شرعت القوانين لضبط أداؤها مما كان له أثر سلبي على فعاليتها . وهنا يبرز قانون المثلثات الخامس ؛ الرئيس الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني و السلطة الفلسطينية تشرع ذلك و مؤسسات منظمة التحرير مجرد أداة تنفيذ مما قلل من هيبة المؤسسات وغيب الدور الحقيقي لمنظمة التحرير الفلسطينية .
وفي محو صعب جدا ؛ هو محو السلطة الوطنية الفلسطينية التي أضحت خارج نطاق حركة فتح ضمن قرار المؤتمر الحركي السادس العام ؛ بمنع تعيين أي قيادي من الأطر الفتحاوية العليا في مناصب السلطة الفلسطينية ، مما أضعف الاثنين معا وجعل مؤسسة الرئاسة الحاكم الوحيد للشعب الفلسطيني ، حيث أن مسؤولي السلطة ينقصهم الزخم الجماهيري لقراراتهم وقيادات فتح ينقصهم تقديم خدمات مباشرة لمريدهم ؛ مما خلق أجواء سلبية لدى الجمهور الفلسطيني ، حيث تعقد المعاملات وتحجرت القرارات ، و ما عاد أحد قادر على تحريك الجامد في المعاناة اليومية سوى المنظمات الغير حكومية . مما وضع قانون المثلثات السادس الرئيس يوزع الأدوار و السلطة تنفذ جزء و المنظمات الغير حكومية تنفذ الجزء المتبقي و أما دور حركة فتح فهو أن تراقب وتقدم الاستشارات الغير ملزمة .
قد يكون الوضع الداخلي الفلسطيني مشابه لأي دولة عربية مجاورة و لكنه بالتأكيد لا يساعد أبدا على توسيع النضال ضد الاحتلال بسبب الضوابط التي وضعها الرئيس ؛ الا أنها تضمن استمرار الحد الأدنى من الحياة الطبيعية في مشرق عربي ملتهب و شرق أوسط لا يعرف الثبات السياسي.
أما على الصعيد التعامل مؤسسة الرئاسة مع الحكومة الاسرائيلية ، فهي واضحة المعالم و صريحة الآفاق . فلا تعامل متذبذ و لا تصريحات متضاربة ؛ فالرئيس سهل القراءة إسرائيليا ، في ثبات أرهق المحللين السياسيين ؛ فهو لا يغيير رأيه حتى لو كان على حساب ما تبقى من شعبيته فلسطينا ؛ ومن جانب آخر فمهما بلغت الاعتداءات الاسرائيلية فهو ثابت و استراتيجيته لا تتغير مع تغيير الواقع اليومي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي . وهذا يشكل قانون المثلثات السابع الرئيس متمسك بقراره و الشعب الفلسطيني يقارع ممارسات الاحتلال و الاحتلال يعاقب الشعب الفلسطيني .
وفي محور العلاقات العربية ، ربط الرئيس القرار الفلسطيني بمثلث الاعتدال العربي السعودية و مصر و الأردن ، مما قلص دور المناورة بين الاختلافات العربية العربية و منع من إقامة أي تحالفات إقليمية أخرى مثل إيران أو تركيا أو حتى قطر مما أفسح المجال لحركة حماس من كسب حلفاء بالمجان في المحيط العربي و الإقليمي دولا وأحزاب ، كما أن تحالفات الرئيس الثابتة جعله شخصية سياسية حكومية و نزع عنه صفة قائد ثورة و قائد شعب يقارع الاحتلال ، مما ألغى مفهوم الاسناد الشعبي القومي و نمى مفهوم التعامل مع فلسطين دولة كاملة السيادة بدعم من مثلث الاعتدال العربي الأمريكي . مما فرض قانون المثلثات الثامن فالرئيس الفلسطيني رئيس دولة عربية ذات سيادة وجزء من محور الاعتدال العربي ؛ بينما تتوسع تحالفات حركة حماس مع دول المحيط الأقليمي والأحزاب العربية الغير حاكمة، مما أسقط القضية الفلسطينية من سلم القضايا المركزية للأمة العربية وحولها لمجرد مشكلة لدولة شقيقة بحاجة لبعض المساندة .
وفي محو العلاقات الدولية ؛ فإن الرئيس الفلسطيني رسم سياسة ثابتة في الرأي العام العالمي، فهو رئيس معتدل قادر التعامل مع متغيرات الإدارة الأمريكية و سقف طموحاته أن تتفهم الإدارة الأمريكية ضرورة حل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية استنادا للشرعية الدولية ؛ ورغم أن العديد من المحاور السياسية تطرح نفسها لتبني حل القضية الفلسطينية من روسيا الي الإتحاد الاوروبي، ومهما حقق النضال الفلسطيني من مكاسب دبلوماسية في الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جهة وإقفال السفارات الإسرائيلية من جهة اخرى ، الا أن الرئاسة الفلسطينية تفضل الثبات على التنسيق مع الولايات المتحدة كراعي وحيد للعملية السلمية أو من تنتدبه الإدارة الأمريكية ممثل عنها مثل الشقيقة مصر . وإذا كان التحرك الدبلوماسي الفلسطيني على صعيد مؤسسات الأمم المتحدة مزعح للإدارة الأمريكية الا أنها لا ترفضه بالمطلق مادامت مؤسسة الرئاسة نتعامل مع الإدارة الأمريكية كراعي للعملية السلمية ، وهذا هو قانون المثلثات التاسع ، فالرئيس الفلسطيني متمسك بالراعية الأمريكية للعملية السلمية ، ويقوي أوراقه التفاوضية عن طريق العمل الدبلوماسي داخل المؤسسات الدولية و توسيع حجم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية دون أن يكون هذا بشكل يزعج الإدارة الأمريكية ، التي تسعى لخلق ظروف ملائمة لإعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلة لنقطة الصفر، وهو ما يرفضه الرئيس الفلسطيني الذي يوافق على تكملة المفاوضات وتثبيت ما تم الإتفاق عليه.
وفي ضوء ما سبق ؛ نرى أن الأخ أبومازن يمسك في زمام الأمور داخليا بقبضة حديدية لن تؤثر على قراراتها أي تغييرات في المؤسسات الفلسطينية { السلطة الوطنية، منظمة التحرير الفلسطينية ، حركة فتح } الا إذا تم انتزاع بعض من صلاحياته و منحها لصفات موازية خاصة داخل حركة فتح ، كما أن تحكم الرئاسة بالقرارات المالية يجعل أصحاب المناصب القيادية بحاجة مستمرة لإرضاء الرئاسة على حساب توجهاتهم العملية وقرارتهم تشريعية ، و في جمع لكل السلطات السيادية في كل المؤسسات يعني أن القرار واحد ولا يوجد تعددية في الطرح فالكل واحد { منظمة التحرير الفلسطينية ، السلطة الوطنية ، حركة فتح } و لهم نفس التوجه.
أما على صعيد التحالفات فلا يوجد بالأفق السياسي أي تعديل على نوع العلاقات الفلسطينية العربية أو الأقليمية ، مما يبقي الوضع الفلسطيني مربوط باستقرار دول الاعتدال العربي ويترك لحركة حماس المناورة بين الأحزاب و الدول خارح مؤسسات الاعتدال العربي . وكذلك الأمر على الصعيد التعامل مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية.
و من هنا ؛ نرى أن أي تغيير جوهري بالقضية الفلسطينية مربوط في تغيير الثابت في مفاهيم الرئاسة الفلسطينية على جميع الأصعدة ، و قد يبدو أن ثبات يعجب الكثيرين في حركة فتح أو قد يكون الثبات مثل الهدوء قبل العاصفة ، وفتح عودت مناضريها على المرونة و الحركة ، الا أن القارئ للمحيط العربي يرى أن الثبات يضمن وجود واستمرار حركة فتح في زمن تتحرك فيه الخرائط وتهتز العروش . لا يمكن معرفة ماذا سيحدث خلال المرحلة القادمة ، فحركة فتح مازالت ثورية وهناك مؤشرات كثيرة أنها مازالت حركة ثورية ولا تؤمن بإيدلوجية معينة مما يعني أنها تؤمن بتعايش الأفكار دون قبول فرض قانون الثبات للأبد و هذا ضد قانون المثلثات الديكارتية التي يعمل بها الأخ الرئيس أبومازن.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
الأخ أبومازن الرئيس الفلسطيني المنتخب كما يصفه ألد خصومه وكذلك أعز مواليه ؛ فهو الثابت فوق الرمال المتحركة في الحراك الفلسطيني الداخلي ، وهو رجل فلسطين الرسمي في التعاملات الدولية مع الشعب الفلسطيني ، أتجرأ لأكتب قراءة نقدية عن الرئيس ، ومن يتوقع أن أشتم أو أخون فلا داعي أن يكمل قراءة هذا المقال ، فهدفي أسمى من التجريح أو التقبيح بل هو نقد بناء يرمي لتقديم مقترحات لتصويب مسار السياسة الفلسطينية العليا.
تتجمع بيد الرئاسة الفلسطينية مفاتيح السيطرة الخمسة على الوضع الداخلي الفلسطيني و التي تشمل على الأمن و المالية و قرار حركة فتح و قرار منظمة التحرير الفلسطينية و القرار السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية . وفي هذا يكون الأخ أبومازن رئيس عربي بامتياز يمتلك السلطات كافة بغياب المجلس التشريعي و انحسار السلطة القضائية بالأحوال المدنية دون قضايا الرأي العام ، التي تشكل لها اللجان بناء على توصياته. كما أن سلطته الرئاسية تجعل مكتب التنسيق الأمني والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية بما فيها المفاوضات جزء من مسؤوليته وتحت توجيهه المباشر . وأما بعلاقاته العربية التي فرزت كل من السعودية و مصر و الأردن كمحو أساسي لابد أن يستشار بكل كبيرة و صغيرة بينما تأتي باقي الدول العربية والإسلامية في مرتبة المتضامن لمحوه أو الرافض له . مما يجعله ضمن المحور الأمريكي البريطاني بالمنطقة مع الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا و الصين و دول الإتحاد الأوروبي .
هذا هو الأخ أبومازن دون التقليل من الجهد الذي يقوم به ، الا أن شعبيته ضعيفة وجماهيريته غير مؤثرة بسبب التغيير الجذري الذي أحدثه على مؤسسة الرئاسة فهو لا يمكن أن يكون خليفة للشهيد الرمز أبوعمار لأسباب تتعلق باختلاف التحالفات و انتهاح سياسة واقعية جافة من العواطف ، لكن هذه السياسات هي التي تجعل منه الأفضل من قبل مريديه.
وفي البداية نناقش القضية المركزية وهي ليبرالية الثورة : فمنذ تسلم الأخ الرئيس منصبه ؛ قام بتقليص الدور المباشر لحركة فتح مقابل توسيع الجهد الشعبي والمنظمات الغير حكومية ، وأصبحت مشاركة فتح عبر أعضاؤها لا عبر قيامها بالفعاليات كاملة ، مما جعل انتفاضة الأقصى تنتهي فتحاويا ولكن دون أن تنتهي شعبيا في نقلة من إطار مركزية الفعاليات إلي خصخصتها يين المنظمات الغير حكومية واللجان الشعبية ، مما قلل من زخمها الميداني و رفع من قدرتها الإعلامية ، لكن على حساب حركة فتح التي أصبحت توصف أنها مهادنة ، وأن المنظمات الغير حكومية هي من يناضل ، وهي الناطق الإعلامي و المسؤول عن الفعاليات بل أنها تستحق التمويل والدعم السياسي و مساحات واسعة على الإعلام الدولي و العربي . الا أن هذا نهجت بطريقه للتغيير لا بسبب سياسات جديدة للرئيس و لا تحول بطريقة عمل حركة فتح ، ولكن للرفض الشعبي لمجمل أفكار المنظمات الغير حكومية ابتداء من طرحها قضايا التعايش السلمي مع الإسرائيليين المعتدليين و مرورا بتخوين أبناء حركة فتح و وصفهم بعملاء الاحتلال ، ومن تجربة شعبية واسعة أصبح هناك وعي حزئي لولا حماية الرئيس لهذه المنظمات و تقديم لها الدعم اللوجستي لاستمرار عملها ، ضمن قانون المثلثات الأول الرئيس يفاوض والقوى الشعبية تقاوم وفتح تساند .
وفي ملف ثاني هو الملف الأمني ، بما يحمله من أفكار دايتون التي ترفع مستوى التنسيق الأمني لدرجة تجاوزت التسيق الأمني بين أي كيانين في العالم ؛ فهو مماثل للاتفاقية الاقتصادية التي تحكم بالتبعية الكاملة للسياسات الإسرائيلة ، وتشرع التدخلات الإسرائيلة بكل جوانب الحياة الفلسطينية ، و هذا يعني أن التنسيق مع إسرائيل تجاوز المؤسسة الرسمية الممثلة بمكتب الارتباط و التنسيق ليصل لكل مسؤول فلسطيني و أحيانا كل مطلوب أمني مما نسف هيبة الأجهزة الامنية كحامية للمجتمع الفلسطيني و قلص دورها لصفة المراقب و المتابع ، يضاف لها منع حركة حماس من القيام بأي نشاط يوازي حجمها بالضفة الغربية، و تحجيم كل رأي مخالف و تقزيم العمل السياسي الحزبي ، و من جانب آخر فتح المجال للإعلام السياسي المضاد و التغني بالإعلام الحر ، مما غير المتجهات الإعلامية لترويج لفكر حزب التحرير دون باقي الحركات الدينية، و توسيع التنسيق بين الأحزاب الفلسطينية و الأردنية على حساب الأحزاب اللبنانية و السورية و الأحزاب العربية في اسرائيل ، مما جعلنا نصل الي قانون المثلثات الثاني الرئيس فوق المحاسبة و الفصائل تحاسب ضمن قانون جنائي و النضال الحزبي مقتصر على الإعلام والبحوث!!!
أما الموضوع المالي ، فهو غريب عجيب في قانون الرئاسة ، فمن ناحية الحصول على الأموال فقد رفضت الرئاسة نظام السلال المالية المتذبذة و قبلت مفهوم الرعاية الأمريكية و الدول المانحة ، بعيدا عن مخصصات منظمة التحرير الفلسطينية من الدول العربية التي تربط القرار المالي بالسياسي ، الا أن الدول المانحة تعاملت بنفس المفهوم و لكن بشكل أكثر مرونة . أما بخصوص صرف الأموال فإن مؤسسة الرئاسة قلصت حجم تمويل أمور كانت أساسية عند الشهيد عرفات مثل مصاريف الكوادر الحركية و الصحة و التعليم ، بل أن معظم هذه الأموال صارت تحول لمؤسسات بعيدا عن مكتب الرئاسة تتعامل مع الناس بمبدأ بيروقراطي لا يعجب الكثيرين ؛ كما أن التوجه العام أن أيام الشهيد عرفات كان هناك أشخاص فاسدين ، أما الآن فهناك مؤسسات فاسدة ومحمية قانونا . وهذا قانون المثلثات الثالث الرئيس يقرر الصرف والتمويل والمؤسسات المالية تصرف بهوائية الضوابط وغوغائية التعامل مع احتياجات الناس دون مراعاة لمشاعر أو إحساس بالمسؤولية بالمقابل فان اللائمة الشعبية منصبة على الرئيس لا على المؤسسات الفاسدة.
في محور آخر مهم يخص القرار الفتحاوي ؛ حيث أن الرئيس هو رئيس حركة فتح في منصب يتجاوز أمانة السر و تحت قرار اللجنة المركزية في توليفة المسؤولية مع السيطرة على القرار الفتحاوي ، ومهما قيل عن حركة فتح و أطرها العليا ، تبقى شفافة و واضحة للجميع ضمن علانية أسماء قياداتها و دورية إجتماعاتها ، وهو من أهم إنجازات الأخ أبومازن على الصعيد الفتحاوي ، الا أن هذا الانجاز أصبح باهت ، حيث أن الاجتماعات على كثرتها لا تقوم بحل المشكلات المتراكمة في الأطر الحركية ، كما أن الصفات والألقاب لا تعني شيء فهناك جماعة محظية داخل الحركة تحظى بكل الامتيازات و هي لا تلتزم بالنظام الداخلي ، ومنزهة من المحاسبة ؛ في المقابل هناك قيادات بأطر عليا ليس لها صلاحيات و مخصصاتها المالية محدودة ، ضمن مفهوم حسم الصراعات الداخلية و تحجيم كل المعارضين لسياسات الأخ أبومازن ، و هذا قانون المثلثات الرابع : الرئيس يمثل رأي الأغلبية الفتحاوية ، والمناصب والالقاب لا تعني أي نفوذ بعيدا عن الرئيس منعا لتشكيل مراكز قوى مع منح مناصب جديدة {ذات صلاحيات وموازنات تفوق ما يمنح للقيادة المنتخبة } لذوي الرتب الأدنى أو لمن سقطوا في انتخابات المؤتمر الحركي العام السادس .
وفي محور منظمة التحرير الفلسطينية التي يترأسها الأخ أبومازن فقد تم تقليص حجمها و فعل مؤسساتها عن طريق خفض مستواها الشعبي عن طريق تحويلها لمؤسسات تابعة لسلطة الوطنية مما أضعف من قدرتها النضالية وكفاءتها التنظيمية و جمد هيكلها وحد من الديموقراطية فيها وهذا عن طريق تخفيض مخصصاتها المالية والحاقها بمؤسسات السلطة التي شرعت القوانين لضبط أداؤها مما كان له أثر سلبي على فعاليتها . وهنا يبرز قانون المثلثات الخامس ؛ الرئيس الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني و السلطة الفلسطينية تشرع ذلك و مؤسسات منظمة التحرير مجرد أداة تنفيذ مما قلل من هيبة المؤسسات وغيب الدور الحقيقي لمنظمة التحرير الفلسطينية .
وفي محو صعب جدا ؛ هو محو السلطة الوطنية الفلسطينية التي أضحت خارج نطاق حركة فتح ضمن قرار المؤتمر الحركي السادس العام ؛ بمنع تعيين أي قيادي من الأطر الفتحاوية العليا في مناصب السلطة الفلسطينية ، مما أضعف الاثنين معا وجعل مؤسسة الرئاسة الحاكم الوحيد للشعب الفلسطيني ، حيث أن مسؤولي السلطة ينقصهم الزخم الجماهيري لقراراتهم وقيادات فتح ينقصهم تقديم خدمات مباشرة لمريدهم ؛ مما خلق أجواء سلبية لدى الجمهور الفلسطيني ، حيث تعقد المعاملات وتحجرت القرارات ، و ما عاد أحد قادر على تحريك الجامد في المعاناة اليومية سوى المنظمات الغير حكومية . مما وضع قانون المثلثات السادس الرئيس يوزع الأدوار و السلطة تنفذ جزء و المنظمات الغير حكومية تنفذ الجزء المتبقي و أما دور حركة فتح فهو أن تراقب وتقدم الاستشارات الغير ملزمة .
قد يكون الوضع الداخلي الفلسطيني مشابه لأي دولة عربية مجاورة و لكنه بالتأكيد لا يساعد أبدا على توسيع النضال ضد الاحتلال بسبب الضوابط التي وضعها الرئيس ؛ الا أنها تضمن استمرار الحد الأدنى من الحياة الطبيعية في مشرق عربي ملتهب و شرق أوسط لا يعرف الثبات السياسي.
أما على الصعيد التعامل مؤسسة الرئاسة مع الحكومة الاسرائيلية ، فهي واضحة المعالم و صريحة الآفاق . فلا تعامل متذبذ و لا تصريحات متضاربة ؛ فالرئيس سهل القراءة إسرائيليا ، في ثبات أرهق المحللين السياسيين ؛ فهو لا يغيير رأيه حتى لو كان على حساب ما تبقى من شعبيته فلسطينا ؛ ومن جانب آخر فمهما بلغت الاعتداءات الاسرائيلية فهو ثابت و استراتيجيته لا تتغير مع تغيير الواقع اليومي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي . وهذا يشكل قانون المثلثات السابع الرئيس متمسك بقراره و الشعب الفلسطيني يقارع ممارسات الاحتلال و الاحتلال يعاقب الشعب الفلسطيني .
وفي محور العلاقات العربية ، ربط الرئيس القرار الفلسطيني بمثلث الاعتدال العربي السعودية و مصر و الأردن ، مما قلص دور المناورة بين الاختلافات العربية العربية و منع من إقامة أي تحالفات إقليمية أخرى مثل إيران أو تركيا أو حتى قطر مما أفسح المجال لحركة حماس من كسب حلفاء بالمجان في المحيط العربي و الإقليمي دولا وأحزاب ، كما أن تحالفات الرئيس الثابتة جعله شخصية سياسية حكومية و نزع عنه صفة قائد ثورة و قائد شعب يقارع الاحتلال ، مما ألغى مفهوم الاسناد الشعبي القومي و نمى مفهوم التعامل مع فلسطين دولة كاملة السيادة بدعم من مثلث الاعتدال العربي الأمريكي . مما فرض قانون المثلثات الثامن فالرئيس الفلسطيني رئيس دولة عربية ذات سيادة وجزء من محور الاعتدال العربي ؛ بينما تتوسع تحالفات حركة حماس مع دول المحيط الأقليمي والأحزاب العربية الغير حاكمة، مما أسقط القضية الفلسطينية من سلم القضايا المركزية للأمة العربية وحولها لمجرد مشكلة لدولة شقيقة بحاجة لبعض المساندة .
وفي محو العلاقات الدولية ؛ فإن الرئيس الفلسطيني رسم سياسة ثابتة في الرأي العام العالمي، فهو رئيس معتدل قادر التعامل مع متغيرات الإدارة الأمريكية و سقف طموحاته أن تتفهم الإدارة الأمريكية ضرورة حل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية استنادا للشرعية الدولية ؛ ورغم أن العديد من المحاور السياسية تطرح نفسها لتبني حل القضية الفلسطينية من روسيا الي الإتحاد الاوروبي، ومهما حقق النضال الفلسطيني من مكاسب دبلوماسية في الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جهة وإقفال السفارات الإسرائيلية من جهة اخرى ، الا أن الرئاسة الفلسطينية تفضل الثبات على التنسيق مع الولايات المتحدة كراعي وحيد للعملية السلمية أو من تنتدبه الإدارة الأمريكية ممثل عنها مثل الشقيقة مصر . وإذا كان التحرك الدبلوماسي الفلسطيني على صعيد مؤسسات الأمم المتحدة مزعح للإدارة الأمريكية الا أنها لا ترفضه بالمطلق مادامت مؤسسة الرئاسة نتعامل مع الإدارة الأمريكية كراعي للعملية السلمية ، وهذا هو قانون المثلثات التاسع ، فالرئيس الفلسطيني متمسك بالراعية الأمريكية للعملية السلمية ، ويقوي أوراقه التفاوضية عن طريق العمل الدبلوماسي داخل المؤسسات الدولية و توسيع حجم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية دون أن يكون هذا بشكل يزعج الإدارة الأمريكية ، التي تسعى لخلق ظروف ملائمة لإعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلة لنقطة الصفر، وهو ما يرفضه الرئيس الفلسطيني الذي يوافق على تكملة المفاوضات وتثبيت ما تم الإتفاق عليه.
وفي ضوء ما سبق ؛ نرى أن الأخ أبومازن يمسك في زمام الأمور داخليا بقبضة حديدية لن تؤثر على قراراتها أي تغييرات في المؤسسات الفلسطينية { السلطة الوطنية، منظمة التحرير الفلسطينية ، حركة فتح } الا إذا تم انتزاع بعض من صلاحياته و منحها لصفات موازية خاصة داخل حركة فتح ، كما أن تحكم الرئاسة بالقرارات المالية يجعل أصحاب المناصب القيادية بحاجة مستمرة لإرضاء الرئاسة على حساب توجهاتهم العملية وقرارتهم تشريعية ، و في جمع لكل السلطات السيادية في كل المؤسسات يعني أن القرار واحد ولا يوجد تعددية في الطرح فالكل واحد { منظمة التحرير الفلسطينية ، السلطة الوطنية ، حركة فتح } و لهم نفس التوجه.
أما على صعيد التحالفات فلا يوجد بالأفق السياسي أي تعديل على نوع العلاقات الفلسطينية العربية أو الأقليمية ، مما يبقي الوضع الفلسطيني مربوط باستقرار دول الاعتدال العربي ويترك لحركة حماس المناورة بين الأحزاب و الدول خارح مؤسسات الاعتدال العربي . وكذلك الأمر على الصعيد التعامل مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية.
و من هنا ؛ نرى أن أي تغيير جوهري بالقضية الفلسطينية مربوط في تغيير الثابت في مفاهيم الرئاسة الفلسطينية على جميع الأصعدة ، و قد يبدو أن ثبات يعجب الكثيرين في حركة فتح أو قد يكون الثبات مثل الهدوء قبل العاصفة ، وفتح عودت مناضريها على المرونة و الحركة ، الا أن القارئ للمحيط العربي يرى أن الثبات يضمن وجود واستمرار حركة فتح في زمن تتحرك فيه الخرائط وتهتز العروش . لا يمكن معرفة ماذا سيحدث خلال المرحلة القادمة ، فحركة فتح مازالت ثورية وهناك مؤشرات كثيرة أنها مازالت حركة ثورية ولا تؤمن بإيدلوجية معينة مما يعني أنها تؤمن بتعايش الأفكار دون قبول فرض قانون الثبات للأبد و هذا ضد قانون المثلثات الديكارتية التي يعمل بها الأخ الرئيس أبومازن.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
No comments:
Post a Comment