Friday, 13 March 2015

سر تسمية فلسطين ؟

مقال بعنوان : سر تسمية فلسطين ؟
أرض الملائكة والشياطين وقبلة العظماء وجذور الدم المقدس تتجمع في فتنة أرض قدسها الخير والشر معا ، حدودها بحركة دائمة فهي تتوسع لتشمل سيناء وبادية الشام ( مملكة الأردن وسهل حوران ) وجبل عامل ( جنوب لبنان ) ، وتتقلص لتكون محصورة بشريط ساحلي يبدأ من عكا ويعرج على الرملة وينتهي بغزة . هي بلاد العواصم والممالك المتحابة ( حاصور ، شكيم ، الرملة ، عكا ، غزة ، عسقلان ، بيت لحم ، أشدود ، بير السبع ، الخليل ، أريحا ) . لم يحكمها أهلها إلا بطريقة لا مركزية أي أن كل مدينة دولة مستقلة لها ملكها ودينها وجيشها وتجارتها .
للبحث عن تسمية بلاد لا تؤمن بمركزية الحكم يكون الأمر صعبا ، خصوصا بالتاريخ القديم حيث تكنى البلاد على أسماء سلالة ملوكهم مثل فراعنة وفرس وروم ، لكن الأقوام القوية تنعت الشعوب الخارجة عن سلطانها بأسماء يراد بها التقليل من قيمتهم لأنهم ليسوا جزء من إمبراطوريتهم ، فيتم الاستكفاء بوصف مظهرهم أو صنعة يتنقنوها . وفي بلادنا هناك تداخل ثلاث أوصاف مهمة تجمعت لتركب شخصية دولية مميزة في العصور القديمة . وهنا لابد من الاستشهاد ببعض النصوص :-
يذكر الدكتور فيليب حتى : -  أنه قد أطلق اسم كنعان في أول الأمر على ساحل وغربي فلسطين ثم أصبح الاسم الجغرافي المتعارف عليه لفلسطين وقسم كبير من سورية . ( كنعاني صفة صباغ الملابس أو من يرتدي ملابس مصبوغة وهي ليست قبيلة بل مهنة ومظهر ) . ومنهم من تخصص بلون واحد وهو الأرجوان مثل الفينقيين في عكا وصور ، أما الغالب فكان يرتدي أزياء ملونة أشهرها الأحمر المطرز بالأزرق كما يظهر بالآثار الفرعونية .
والباحث محمد البغدادي يقول : أن تسمية فلسطين خرجت من قاموس القرشاي ، وجذرها الأصلي  ( بل + سط + ي = بيت التجارة المشهور ) ويضيف أن قلب تاء طاء أو إنابة الشين عن السين لا تغير المعنى العام للإسم . فالتسمية لم تطلق عبثا ، بل إنها تدلل على مهنتهم وهي التجارة . علما أن التجارة بين الدول المتحاربة كان محرما ، وخصوصا بين الأغريق والروم من جهة والفراعنة والفرس من جهة ثانية ، وكان الوسيط التجاري السوري الكنعاني يقوم بالعمليات التبادلية بين هذه الإمبروطوريات وكانت فلسطين مميزة بانفتاحها على مصر والعراق واليمن برا عبر تجارة غزة وعسقلان ، والأغريق والروم بحرا عبر تجارة الرملة وعكا وحاصور ( قرب الناصرة حاليا ) ، وشكلت حاصور أكبر تجمهر للمنتجات الدولية المتنوعة من الهند والصين وبلاد الترك والإغريق حسب ما ورد ذكره بالآثار الفرعونية ، وعرفت عكا كعاصمة للسفن وكان بها تجارة ترانزيت متطورة حيث يتم نقل البضائع من سفينة لسفينة بضمان أهل عكا ، وفي تميز الفخار الناطوفي عبر التاريخ كانت الرملة أشهر المدن بتجارة الفخاريات وعسقلان بالأسلحة والأشدود بالكحل ومواد التجميل ، وغزة بالأقمشة وزيت الزيتون ، وهذا وارد بالآثار الفرعونية والأغريقية .
 أما كمال الصليبي : يقول أن التسمية نسبة لقرية الفَلَسَة في سراة خثعم في جنوب غرب الجزيرة العربية ، ويبدو أن إحدي قبائل هذه القرية هاجر واستوطن الساحل السوري ، كما أن يهود الفلاشا ( الفَلَشة ) ينتسبون لهذه القرية ، هذا في خضم شرحه النصوص التوراتية ، إلا أننا نرى أن التوراة ذكرت الفلسطينيين بصيغ متعددة مثل فلست ، هفلستيم ، فلستيم ، فلستييم لكن الترجمة العربية للتوارة تكرر إسم الفلسطينيون على جميع الصيغ . ونبقى مع فنون العبرانيين حيث يدعى أحدهم أن هناك شخص كان يدعى  فلسطين بن كاسخولين من كنعان بن سام بن نوح  ، وفي تحليل آخر أنها أرض( بلا + سين ) حيث أنهم يبدلون السين شيناً ، حتى يصلوا بتفسير كلمة فلسطين أنها تعني الشعب الجبار الذي لا يخاف عقاب الرب ، رغم أن التوراة تذكر بعض الفلسطينيين الطيبين .
وأما المؤرخ اليوناني هيرودوتس فالتسمية هي بالستاين ونجد عنده أحياناً أنه اسم يطلق على الجزء الجنوبي من سورية أو سورية الفلسطينية بجوار فينيقية وحتى حدود مصر . وقد استعمل هذه التسمية الذين اتبعوه من كبار المؤرخين أمثال : سترابو وديودوروس وبطليموس وبليني، ومع مرور الزمن حل اسم بالتسين محل الاسم الشامل سورية الفلسطينية، إلا أن المؤرخين الأوربيين يصرون أن الفلسطينيين من شعوب البحر المهاجرة لكنهم يختلفون على تحديد زمان الهجرة وما هو موطنهم الأصلي ، فهم تارة يقولون بحر إيجة أو كريت أو صيقيلية أو برشلونة أو فلورنسا أو غيرها من المناطق دون أن نجد امتداد لنسبهم أو حتى ذكر هجرتهم في السجلات أو الدواوين ، أضف أنه لم يحدث أي تغير اجتماعي أو لغوي في الساحل السوري يدلل على وجود أقوام غريبة استوطنت البلاد ، واستمرت الديانة نفسها واستمرت التجارة الدولية .  ولم تعرف فلسطين باسم محدد قبل الاحتلال الروماني ، والجدير بالذكر أن الإمبراطور فسباسيان قد صك اسم فلسطين ( بالستين ) على نقوده التي أصدرها عقب قهره لليهود عام 70م، وبذلك أعطاها الصفة الرسمية، وورث البيزنطيون هذا الاسم عن الرومان، ومن بالستين انبثقت كلمة فلسطين العربية.
وبعد هذه القراءات الاستشهادية ، يبقى أن نذكر ثلاث نقاط :-
النقطة الأولى :  أن كتابة تاريخ فلسطين إستنادا للنصوص التوراتية هو أكبر خطأ علمي وقع فيه المؤرخون الأوروبيون ، وقد اعترف أكثر من مؤرخ أن روايات التوراة غير دقيقة وهناك بالتوراة نصوص متضاربة مما يفقدها النزاهة كمرجع تاريخي علمي ، كما أن فلسطين جزء من المنطقة العربية التي يتم الاسناد فيها إلي علم الأنساب والشعر العربي فهو ديوان تاريخ العرب ، ومن المعروف حاليا أن قبائل لخم وخذام هي أول من استوطن فلسطين وهي قبائل عربية عريقة ونسلها يتصل بقحطان ، وأيضا أن حضارة الناطوفية في منطقة الرملة أول من زرع وأسس القرى بتاريخ يعود 10000 قبل الميلاد أي قبل بداية تشكل أي تجمع سكاني أوروبي بالتاريخ .
والنقطة الثانية :
أن الفلسطينيين هم الذين أطلقوا على يعقوب – عليه السلام – إسم إسرائيل أي بمعنى عبد الله ( إسرا = عبد أو خادم ، إيل = أشهر آله الفلسطينيين ) وكان له أتباع منهم أيضا ، وهو فلسطيني المولد هو وأولاده وأبوه – عليهم السلام – أي أن البحث عن جذور إسرائيلية قضى طمس التاريخ الفلسطيني ، لأنهم عبارة عن قبيلة سرقت تاريخ شعب ، وهذا ما يفعله الصهاينة بتهميش كل الأحداث التاريخية المتعلقة في فلسطين ، إلا ما يخص أنها أرض بني إسرائيل ، لكن الحقيقة التاريخية أنه لا يوجد أي سجل أو أثر يدلل على مملكة سليمان ( بغض النظر في فلسطين أو اليمن ) أو أي حكم إسرائيلي للمنطقة في العصور القديمة ، مثل سجلات التجارة والضرائب ومرور القبائل وعبور السفن ، لم تذكر إسم أي حاكم إسرائيلي وإنما تم ذكر حاكم عكا أربع مرات وحاكم غزة مرتين في زمن حكم سليمان – عليه السلام – ضمن السجلات الفرعونية والأغريقية .
والنقطة الثالثة :
الشعب الذي سكن فلسطين هو شعب مسالم ، يؤمن بضرورة إقامة علاقات جيدة مع جميع الإمبراطوريات ، لأن التحالف مع إحدى هذه الإمبراطوريات تجعل الفلسطينيين ضعاف بسبب عداء الإمبراطوريات الأخرى لهم ، وأن قوتهم بالوساطة التجارية بين المتحاربين ، مما عزز نفوذهم التجاري وجعلهم يتفرغوا لها ، فتحصينات مدنهم متوسط وجيوشهم دفاعية ضد هجمات قطاع الطرق والصعاليك ، وهو أساس تسميتهم أصحاب التجارة المشهورة .
إذن سر تسمية فلسطين بهذا الإسم هو حيادها السياسي ومهارتها التجارية وقدرتها على بناء مدن لا تتوحد بمركزية سياسية ( أي لا تشكل دولة قوية ) ،  لكنها تتجانس وتتكامل في لعب دور الممالك الصغيرة المهمة لجميع الإمبراطوريات وحريتها عامل حيوي لكبار المدن العالمية الأوروبية والفارسية والمصرية . سر تسمية فلسطين يبقى بحيادها المستمر فهي أقوى من أن تحسب على حليف محدد بل لها حلفاء كثر ، ونجزم أن حلفاء فلسطين يستغلون فلسطين أكثر مما يساعدوها لإنها فلسطين ، وهذا سر تسميتها .
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment