مقال بعنوان
: كنافة المؤتمر
حكاية الحلوى
الفلسطينية المشهورة حكاية متحركة في تاريخ فلسطين القديم ، وهي معروفة بإسمها
الجميل كنافة أي أنها تكفي وتشبع على عكس الحلويات الأخرى ، والكنافة أيضا جمع
ملوحة الجبن النابلسي وحلاوة سكر غوراني ، سرها بحضورها التاريخي فهي سحور
الأمويين وذهبت لمصر هدية من الفاطميين وعبرت مع القائد الفلسطيني موسى بن النصير
جبال أطلس المغربية وجعلها الحلوى الأولى بالأندلس ، كما استظرفها الصحابي عبادة
بن صامت فجعلها زاده عندما ركب البحرعكا ليفتح قبرص ، وهي إفطار النابلسي وغداء الفلاح
وعشاء السبعاوي ، هي ضيافة الفرح والترح في كل المناسبات الفلسطينية ، في خصوصية
تراثية تتجاوز المتعارف عليه أن أطباق الفرح شهية بهية وأطباق الترح باهة ولا تشبع
إلا قوت الحزن ، فمثلا أكلة المنسف تزين بالأفراح وهي ناقصة وباهة بالأتراح .
وفي السياسة
عرفت باسم كنافة معاوية ، وهو إسم له مضامين سياسية معقدة ابتكرها الخليفة معاوية
بن أبي سفيان ذو العبقرية السلطوية المميزة ، فهو جامع الحنكة السياسية والفروسية
الحربية وشيخ مشايخ القبائل الشامية ، أسس ما يسمى بأحلاف الشام من قبائل عربية
كثيرة وما يهمنا هنا قبيلتي لخم وجذام الفلسطينتين ، هما أسياد عكا عاصمة البحر
والرملة عاصمة الجبل ، هما أول من وقفة معه بالبيعة ، فجعل منهما الوزراء والمناصب
النافذة في المؤسسات المدنية والعسكرية ، فكان موسى بن النصير قائد الجيش ووالده
قائد الأمن والشرطة .
وفي طرفة حصلت
لمعاوية في مدينة الرملة ، أن كهل جذامي سأل معاوية ما هو كرمك يا ابن الجمل ؟ فرد
عليه شيخ من قبيلة لخم : جماله سبحت لقبرص وكرمه أثلج صحراء ليبيا ، فعاد الجذامي
وقال : ما كرمك يا خليفتنا ؟ فقال معاوية : أكرم وأجزم ولو كان بيني وبين الناس
شعرة ما انقطعت ، فرد الجذامي : إن أكرمت الكريم فهي له ، وإن أكرمت خصمك فهو لك .
فقال شيخ اللخمي : يا خليفتنا إن زارني زائر أطعمته كنافة ، وإن رغبت جالسته بعدها
أو أعتذر منه ، إلا أن الكنافة ستشبعه وتبعد خبثه عني ، فقال معاوية : هذا دهاؤك
الذي أبغي ، أريد منك أمهر صانعيها ليكون في بيت الخلافة يطعم من لا أرغب رؤياه
ولا أنوي خصومته .
أصدر معاوية
تعميما أن الحلوى الرسمية في البلاد هي الكنافة في جميع المناسبات السعيدة
والحزينة ، وأن ضيافة الخليفة لمن يزوره هو قطعة كنافة ومن يأكل معاوية معه كنافة
فهو قريب مقرب ، وصار الناس في البلاد الشامية يقولوا : حكمونا جذامية حلواهم
أسكتت مظالمنا ، نذهب نشكيهم لمعاومة يطعمنا كنافتهم ولا يجالسنا لكنه يطلب بعد
ذلك من الجذاميين الرأفة بنا . فأصبحت الكنافة لها رمزية نعم ولكن عند معاوية ،
نعم أقبل أن تشكوهم لي ولكن لا أسمعها منكم ولا أسألهم عنها بل أخبرهم أنكم أكلتم
كنافة وهذا يكفي ليغيروا ما يستطيعوا أن يعدلوا في تعاملهم معكم دون أن فقد حلفهم
معي فهم لي وأنتم لهم .
وفي عصرنا
الحديث تبقى الكنافة ذات رمزية سياسية دون أن تصل لدهاء معاوية ولا لقوة جذام ولخم
، بل أنها أصبحت عنوان لتطييب الخواطر ومداهنة ذو النفوذ وإسكات أصحاب الصوت
العالي . تظهر الكنافة في المؤتمرات الحزبية والحركية كجائزة لكل من حضر – حتى
المرافقين – دون أن تعني الفرح أو السعادة بل تعني أن من حضر المؤتمر أكل كنافة
مهما كان دوره بالمؤتمر ، فهي النتيجة الأكيدة لأي مؤتمر أن ختامه كنافة مثل أي
فرح أو بيت أجر فلسطيني .
مهما قيل عن
المؤتمر أنه لدراسة سياسات سابقة ورسم سياسات قادمة ، وقراءة أعمال ونشاطات قيادة
سابقة واقتراح تطويرها للقيادة القادمة ، ودراسة المصاريف والموازنات السابقة ورسم
خطة مالية للقيادة القادمة ، وتحضير قوائم المرشحين ومن سينجح ومن سيحصل على أصوات
ولكن لا نريده أن ينجح ، ثم من سيسقط ثم ترفض القيادة سقوطه فيتم تعيينه لكفاءته
التي لا يعلمها سوى القيادة الحكمية ، وأيضا ماذا ستكتب الصحافة في أول المؤتمر
ووسطه وفي ختامه ، وشكل البيان الختامي .
لكن الجميع
سيسأل من أين الكنافة ؟ حبيبة وعرفات بعمان أو العكر والأقصى بنابلس أو جندويل
بصيدا أو صفصوف ببيروت وهل هي ناعمة أم خشنة أم أنها رملاوية بمكسرات أو عكاوية
بقشطة أو بيضة غزاوية أو بزيت مقدسية أو بين نارين طوباسية أو مبرومة تلحمية كثيرة
هي الأسئلة الغير واضحة لأي مؤتمر لكنها بالتأكيد لها خصوصية خاصة بنسبة لكنافة
المؤتمر .
كنافة
المؤتمر هي من اختصاص اللجنة التحضيرية للمؤتمر ومن ميزانية القيادة السابقة على
أن هناك تأمينات على الصواني وباقي حساب على القيادة القادمة إتمام حسابها ، كنافة
المؤتمر شيء لا تملك أن تنتقده وتقول أنها مالحة أو دسمة أو حتى باردة ، فهي آخر
حدث بالمؤتمر وبعدها لا يمكن محاسبة أي عضو ، وهي ليست إلزامية دستورية إلا أن
تاركها يتحدى ما قبلها من أحداث دون أن يقلل من أهمية هذا العرف التراثي أننا في
فلسطين نختم بالكنافة كل الأحداث المهمة بهيجها وحزينها في ختام الحدث وإعلان أن
كل شيء مر وإنتهى .
الكنافة لا
تعني أكثر من ذلك فهي لا تعلن نصر أو تلعن هزيمة ، لكنها تعني أن هناك تراث عريق
لشعب متأصل بتقاليده وأعرافه يعرف أن الشكل النهائي للحدث لابد أن يبقى فلسطيني ،
أي أننا نجتمع برضانا أو رضى من يريدنا أن نرضى ونرضى على بعض بالتأكيد ، ثم نتاقش
ونتدارس ونصل لقواسم مشتركة أو نجتمع ونوافق على على أننا معا عنوانا ولكل منا
تفاصيل مختلفة يحتفظ بها لنفسه ، لا يهم ما يدور في صالة المؤتمر فهو ذو خصوصية لن
نعرفها ، لكن نتمسك بحق الجميع أن يأكلوا كنافة حلوان نهاية أحداث أي مؤتمر
فلسطيني ، دون أن تعني الكنافة إلا أن كل شيء مر على خير وإنتهى والحمد لله .
خالد
أبوعدنان
ولدت لاجئا
وأحيا مهاجرا
No comments:
Post a Comment