Friday, 13 March 2015

ثورة البندورة في الخطاب السياسي الفلسطيني

مقال بعنوان : ثورة البندورة في الخطاب السياسي الفلسطيني
تخيل أنه مافي بندورة؟  كيف ممكن تعمل سلطة أو صنية بامية؟ غياب البندورة ممكن تؤثر على الخطاب السياسي الفلسطيني؟
منذ أن عرف الأسبان الطماطم في منتصف القرن السابع عشر نشروها في أرجاء العالم ضمن حملتهم للسيطرة على الأسواق الدولية ،  إلا أن الطماطم انتشرت بسرعة جنونية صعب السيطر عليها فقد زرعت بكل أرجاء المعمورة وغيرت مذاق الطعام في مختلف البلدان ولا تعتبر فلسطين استثناء لذلك!!! 
هناك عدة روايات عن دخول الطماطم لفلسطين ونورد ما نتوقع أنه أقرب للدقة ،  الرواية الأولى أنه جاء هدية من مصر لدار طوقان في نابلس عام ١٧٥٤ وكان اسمها طماطم وكانت خضراء اللون وتؤكل مطبوخة بزيت الزيتون مع البصل والكزبرة وهي إفطار الباشوات واسم الأكلة الطوقانية أو طوقانية طماطم،  والرواية الثانية أنها جاءت هدية للظاهر العمر الزيداني من صديق حلبي عام ١٧٧٣ وكان إسمها بندورة وهي حمراء اللون وتؤكل نية أو تشرب عصيرا ،  وقام الظاهر العمر بإهداء حبتين لراهب مسيحي في مدينة عكا الذي قام بزراعتها وبعد فترة من زمن عزم الظاهر العمر على الفطور
وكان ضمن المائدة صحن فيه باذنجان مقلي وفوقه بندورة مشرحة نية وباقي التبيلة المعروفة لسلطة الراهب،  والرواية ثالثة فهي في عام ١٧٨٧ حيث قام تاجر من بيت الدجاني بشراء مواد غذائية من مدينة نابولي الإيطالية قبل موسم الحج المسيحي بغرض تجهيز خانات عكا ويافا بما يلزم الحجاج وكان بين هذه المواد مرتبانات مخلل بندورة
والثابت أن زراعتها انتشرت في الجليل عامة وعكا خاصة،  وأصبحت جزء من الخضروات البلدية ؛ بل أنها عدلت مذاق الطعام في فلسطين ؛ فهي نافست اللبن والطحينة كإضافة منكهة للطعام،  بل أن العديد من الأكلات كانت تؤكل على إدامها أصبحت تطبخ بالبندورة،  وقد نافست زيت الزيتون باهمية ضرورات المطبخ ؛ كما أنها نافست المخللات ودخلت مع زيتون في نفس الجرة ؛ وأما تخزينها فكل طرق تجفيفها أو صناعة رب البندورة مأخوذة من حلب،  إلا أن فلسطينيين كانوا يطلقوا عليها إسم نبتة الجنية بالصيف عكاوية وبالشتا غورانية فهي طازجة دائما!!!
لكن البندورة نبتة ثورية وتعد من رموز الثورة الفرنسية ؛  حيث أن أصحاب القبعات الحمر كانوا يصروا أن ثورتهم حمراء وكانوا يعتبروا أي شيء أحمر يرمز لثورتهم لذا كانوا يأكلون مفروم البندورة بشكل جماعي إيمانا منهم أنه أكل ثوري ؛ وبنفس الوقت فإن للبندورة قصص ثورية في فلسطين !!! 
ويدلل على ذلك قصص عديدة،  نذكر منها قصة الجابي العثماني عام ١٧٩٣في منطقة عكا ؛ حيث أنه أصر على تسميتها بطماطم إلا أن أهالي الطنطورة أصروا أنها ليست طماطم بل بندورة بعلية وهي نبات ينمو وحده وهي لا تباع ولا تشترى؟ وفي نهاية سجل الجابي :  أن هناك نبات بعلي يسمى بندورة يشبه الطماطم لكنه لا يباع ومعفي من الضريبة بعد أن قبض المعلوم.  وقصة أخرى مع نابليون بونابرت ذلك الإرهابي الذي نكل بمدن الساحل الفلسطيني وخاصة يافا ؛ وكان جنوده يخيمون بحواكير يافا ويأكلون من خيراتها وذات مرة أكل نابليون حبة بندورة وقال هذه الطماطم مالحة ليست سكرية مثل
الطماطم الفرنسية ؛  إجلبوا لي صاحب الحاكورة ؛ وعندما أحضروا الرجل اليافاوي،  سأله نابليون كيف تزرعون الطماطم وماذا تضعون عليها لتصبح مالحة؟  فرد اليافاوي : هاي بندورة مش طماطم!!!  فغضب نابليون وأمر بقتل أهله أمامه ثم قطع أطرافه وجعله يموت على مراحل ؛ وقصة أخرى عن فندق الكرمل الذي وضع سلطة الراهب وبتزا ماجريت ضمن قائمة طعامه عام ١٨٨٧ ضمن حملة الدعاية لموسم الحج المسيحي،  وقصة أخرى بذات الفندق عام ١٩١٨ حين قدم إفطار للحاكم العسكري البريطاني عبارة عن قلاية لحمة خروف وبندورة وبصل  ولية فسأل الحاكم العسكري عن لية فقال له صاحب الفندق
هي بديل الزيت وهي أطيب مع البندورة؟  فقال له الحاكم العسكري : ماهي البندورة؟  هذه طماطم ؛ فرد صاحب الفندق : هاي بندورة عكاوية بعلية مش طماطم!!!  فأمر الحاكم العسكري بمصادرة الفندق وتحويله مقر للحاكم العام ثم حول لمقر الإدارة المدنية ١٩٢٢، وفي قصة أخيرة أيام الحرب الأهلية اللبنانية ؛ وعندما كان الموارنة يقتلون الفلسطينيين لمجرد أنهم فلسطيين ؛ كانت البندورة الفلسطينية ـ بسكون النون - تتميز عن أخواتها الشامية واللبنانية ؛ مما جعل الموارنة يطلبوا من الموقوفين أن ينطقوا كلمة بندورة والذي يلفظها باللهجة الفلسطينية كان يتم قتله فورا!!!
إذن البندورة لها خصوصية محلية في فلسطين ؛ وهي قدرة الفلسطيني على تحويل المستورد ليصبح بلدي أصلي ؛ والبندورة إستثناء لخصوصية الهوية الفلسطينية وتميزها في محيطها العربي وهي قدرة الإرادة الفلسطينية لتوظيف كل جديد من أجل أغناء الهوية الوطنية .
ولعل الخطاب السياسي الفلسطيني يتأثر بالبندورة أحيانا فيكون مفهوما ومقبولا محليا ؛ الا أن بعض الخطابات السياسية الفلسطينية تكون لها نكهة الطماطم فلا يفهمها شعب الفلسطيني بل أحيانا يعتبرها غريبة ولا تمثله ،  حتى لو أدعى الخطباء أن هذا النوع من الخطابات مفيد لنا أو أنه موجه للرأي العام الدولي الذي لا يفهم الا لغة الطماطم ؛ أو أننا سنخسر حلفاؤنا وأصدقاؤنا إذا إنغلقنا على بندورتنا البلدية ؛ والأصل أن يكون الخطاب السياسي الفلسطيني معبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني الذي لا يعرف إلا البندورة.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment