Friday, 13 March 2015

انتقال السلطة عند الآلهة

مقال بعنوان : انتقال السلطة عند الآلهة
تقاس قوة القائد السياسي باختيار صحيح لبطانته اي نائبه أو وزيره ؛ على أن يدين الوزير بالولاء والطاعة لقائده ويسعى جاهدا لتقوية قائده بتفاني وإخلاص دون أن ينظر لمستقبله السياسي الخاص فكل مجهوده لرفعة وتعزيز مكانة قائده.  وهذا أمر واقعي نلمسه بالدولة الحديثة  وبأشكال مختلفة وأساليب متلونة ؛ وهنا نسرد أسطورة خرافية من التاريخ القديم في بلاد الرافدين.
نص الترتيلة مترجم للعربية من السومرية:-
إنليل ، الذي أمره واسع المدى،  وكلمته مقدسة،  السيد،  الذي لا يقبل منطوقه التغيير،  والذي يقرر المصائر إلي الأبد،  الذي يتقن أحكام السلطة والسيادة والإمارة،  ويطأطئ آلهة الأرض رؤوسهم أمامه......،  إلي وزيره المعظم،  نوسكو،  عهد بتنفيذ أوامره الشاملة،  واستودعه كل الشرائع المقدسة،  كل الأحكام المقدسة.....
الفكرة من هذا النص هي :
أن الإله الحاكم إنليل لا يقبل مساعدة أي إله آخر له في أمور الحكم بل يعهد بذلك لمن هو أدنى منه بذلك وهو وزيره نوسكو ؛ وهذا عرف عند كل الآلهة البابلية والسومرية ؛ ويعد نوسكو بمثابة الهيئة التنفيذية بالسلطة والإله هو الهيئة التشريعية ؛ وفي الأديان القديمة كانت تؤمن أن الآلهة تموت ولابد أن تستلم آلهة جديدة الحكم دون الدخول بصراعات بين طبقة الآلهة .
فكرة نوسكو الوزير المنفذ هي المخرج الأول لمنع الصراعات فلا أحد من آلهة يتدخل بشؤون غيره من آلهة والصدامات تكون بين نوسكو هذا إله ونوسكو ذاك الإله ؛ وفي نهاية يقرر الآلهة أي نوسكو مخطأ فيقتل.
فكرة نوسكو المخرج الثاني في حروب الآلهة ؛ حيث أن عائلة  الإله لا تعرف أسرار ولا أي معلومات فكلها بين الإله ونوسكو ولهذا تكون طبقة الآلهة محمية أما نوسكو فهو العبد المطيع وكبش الفداء.
فكرة نوسكو  والمخرج الثالث ؛ كانت الآلهة تموت ويتسلم آلهة جديدة السلطة ولكن بطريقة سلمية عن طريق استخدام نوسكو ؛  فعندما يموت إله معين يتم تعيين نوسكو الخاص به برتبة إله لتسيير  الأمور لحين اجتماع عشيرة الآلهة لتقرر من هو الإله الجديد ليحكم؟ ثم يتم تعيين الإله الجديد ويتم الاعتراف به رسميا من طبقة الآلهة وثم تقام الصلوات ويعبد من قبل عبيده وبعدها يبدأ تعلم فنون الحكم من نوسكو الإله القديم كما يبدأ خزن أسرار السيادة والسلطة التي لا يعرفها إلا نوسكو،  ثم يتدرج بطرق اتخاذ القرار وكيفية التحضير لاجتماع عشيرة الآلهة.
عندما يصبح الإله الجديد هو السلطة والسيادة والطاقة المنفذة ؛ تطلب عشيرة الآلهة منه قرض الهيبة ؛ أي إثبات أنه الحاكم الناهي وهو إله جديد لا تابع لإله قديم مات ولم يعد يحكم ؛ فيذهب الإله إلي نوسكو ويقول له : هل بقي عندك شيء تعلمه لا أعلمه ؟ فيجيب نوسكو : لا ياسيد الكون ولا أعلم إلا أن أنفذ قراراتك ؛ فيقول له الإله : إذن مت أو أقتلك،  فيقول نوسكو : إرحمي من أن أموت وأتشرف أن تقتلني!!!
 
فيقوم الإله بقتل نوسكو ثم يذهب بالهدايا والعطايا لعشيرة الآلهة التي تباركه بالبخور والخمور وتمنحه عشرة  جواري وحقه أن يتزوج وينجب بشرط أن يختار نوسكو جديد له خلال فترة شهر قمري.
قد تبدو الصورة ظلامية لمن يقبل بدور نوسكو في سياسة الحديثة ؛ إلا أنها فكرة السياسة الوقحة حيث لا يقبل إلا الولاء الأعمى لحماية القائد الأوحد ؛ وكل ما نراه في عالم السياسة هو حرب بين نوسكو هذا القائد ونوسكو ذاك القائد وفي النهاية يجتمع القادة على غرار اجتماعات عشيرة الآلهة ليقرروا أي نوسكو سيقتل أو ينهي خدماته ويقطع لسانه،  إلا أن التاريخ يذكر أن من يقبل بدور نوسكو يعرف أن نهايته ستكون مثل أي نوسكو.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment