Sunday, 22 March 2015

خاطرة بعنوان : يافا الآن

خاطرة بعنوان : يافا الآن
أجمل مدن الأرض والسماء ، معجزة تتكرر كل يوم عروس البحر ترقص لأطياف الأزرق ، تنثر رمل الوصال لبحرها وتغرس بغوطتها نهر ؛ ينابيعها فوران وفوار في نزهة المشتاق لعجمي العشاق  ؛ هنا عراقة الأرجوان العتيق في دول الأوائل  وتاريخ حضارة البدايات ؛ آثارها مسروقة من نجمة الجن ووصفها أنها عشيقة عفريت الماء ، مدينة هُدِمت خمسة وثلاثين مرة ؛ سحقوا أهلها وسحبوا بيوتها للركام ودفنوا حضارتها بأطلالهم ؛ هم ذهبوا أو بقوا ؛ يافا تعود كل مرة أغرب الفتن الإلاهية لحورية سقطت من الجنة وتجسدت بروح مدينة  .

يافا الشاطئ الجميل وشيطان يسير على ماء هي ملح وسكر وأيضا أرض البرتقال والبطيخ ، يافا المدينة الوسطية بين عاصمة الجبل مدينة الرملة وعاصمة البحرمدينة عكا ،  بداية الحج المسيحي حاضنة قبر روبين أكبر إخوان يوسف عليه السلام ،  طريق الهروب إلي مصر وخلط البداوة بالفلاحة بالتمدن ، أصولها عربية كنعانية بتميز التعايش السلمي بين أقلياتها التركية واليونانية والكردية ، أما عروبتها فهي شامية مصرية عراقية في توحد غريب لمدينة عَتّْقَها أهلها لتصبح بطعم خاص ،  مدينة الذوق الرفيع منذ أيام الرومان بوابة حضارية بين موانئ المتوسط .  هيرودوس تعرف على ابتكار النافورة في العجمي وفيثاغورت كتب نظرية التوحد بالنزهة وفي تلالها تزوجت إيزيس من إلة الشمس وصُنِع طبق الفول المدمس تكريما لجنود تحتمس وغفر الله ليونس - عليه السلام - فلفظه الحوت على شاطئها ،  وفي أرضها أُقر الرقص الشرقي كعبادة لآلهة المطر .

يافا منارة البحر ومخزن الجديد وغفر سواحلها يعرفوا رايات كل الدول ، تسألها المدن أخرى فهي جنية البحر مجنونة التجديد،  تكفر بالرتابة وتقتل تقليد فهي مصنع كل عريق ، رفضت وصاية المدن الكبرى وتمنعت على أن تصبح للسياسة عاصمة ، تسبح ببن الكبار وتحِن على الصغار وتعشق أمواج الأقدار .
يافا ليست قديمة بل عتيقة غريقة بالأسطورة تفجر خرافات الخلود ، تمسح حاضرها بقديمها وتلبس ثوب العروس المطرز وفي حضها جدائل شعرها المقصوصة وتنتظر فارس الفوارس وجبيشه الجرار وخيره المدرار، وجهها باسم بالأمل وعيناها تنظر بعمق إلي ما بعد الغد،  فغدا لن يعود حبيبها ولن ترقص على صدره ، فمازال بعيدا هذا الغد وهي تعلم أن لكل نهار آخر ولكل غاصب نهاية  .
يافا ملتقى العشاق ساحة الغرام الحلال شاطئ الحب العذري ،  كانت هدية العرائس زيارتها وشفاء المرضى عيادتها والتجارة مهنتها والسياحة صنعتها ، خطوط التماس بين عشق الحياة وحب الجمال  قارب يبحر في عيني ناظرها فلا يرى الا أسيرة تتزين لعرسها
 .
يافا تذرف دمعا على تل الربيع وتقرأ عليها من التاريخ كتابا : في أرض كنعان تكبر المدن دون أن تدوس على شقيقاتها ؛ فمهما كبرتي أبقى أنا يافا معشوقة الحب ولي أخواتي حيفا وعكا وأيضا غزة وعسقلان ، أما مدن الجبل فهي ثلاثين آخرهم اسمها صفد ؛ فبلاد كنعان كل المدن عواصم وعواصمنا تعصمنا أن يتوسع حكمنا ،  هنا أرض الممالك المتحابة وقنديل الحضارة المتجدد ؛ حضارتي تقول لكي يا صغيرتي لا تكبري سريعا فتموتي تسريعا وتتقطعي تسعيرا وتدفني عسيرا.

يافا الآن حاضرة مثل كل أوان فهي لكنعان ليوان ؛  يعشقها بحرها بلا طوفان ويسكنها نهرها بلا فيضان سالمة سليمة مستسلمة لقدرها ولحرية قادمة بعد غد يزرع الفرح لكل ذوي وجن من الأنس والجن لتفك خمار خمر الحشاشين وتقول أنا بنت فلسطين أنا قلب العشاق رقص المتيم سهر المتبول،  أنا أسيرة الشيطان يا عفاريت الغفران ، أنا يافا يافي يافو ويافيت ويافيس وأكثر من هذا أصل المخيمات ومجمع الرايات  ومتحف الانتصارات .

خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

No comments:

Post a Comment